|
كتاب التفسير باب ما جاء في فاتحة الكتاب
598- عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ:
كُنْتُ أُصَلِي فِي الْمَسْجِدِ فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم،
فَلَمْ أُجِبْهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أُصَلِي. فَقَالَ:
أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ)؟
ثُمَّ قَالَ لِي: لأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ فِي الْقُرْآنِ
قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ. أبو سعيد: اسمه رافع، وقيل: الحارث. المسجد: مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة. فلم أجبه، فقلت… أي: بعد الصلاة معتذرا. (استجيبوا لله وللرسول): الآية 24 من سورة الأنفال. وبالآية استدل جماعة من الشافعية على عدم بطلان الصلاة بذلك. فلما أراد أن يخرج أي: من المسجد. السبع المثاني: لأنها سبع آيات تثنى وتكرر على مرور الأوقات، أو تثنى في كل صلاة أي: تعاد. 599- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا قَالَ الإِمَامُ: (غَيْرِالْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ) فَقُولُوا: آمِينَ. فَمَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَاتَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ. آمين: روى بمد الهمزة وقصرها، ومعناها استجب، وهو اسم فعل بني على الفتح. فمن وافق قوله قول الملائكة: أي: قوله آمين هو قول الملائكة لها. ما تقدم من ذنبه أي: كل ما تقدم من ذنبه. فمن بيانية لا تبعيضية. وظاهره يشمل الصغائر والكبائر. والحق أنه عام خص منه ما يتعلق بحقوق الناس فلا يغفر بالتأمين، للأدلة في ذلك. سورة البقرة باب قول الله تعالى: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاَء كُلَّهَا) 600- عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يَجْتَمِعُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: أَنْتَ أَبُو النَّاسِ، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَأَسْجَدَ لَكَ مَلاَئِكَتَهُ، وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شيء، فَاشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا. فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ - وَيَذْكُرُ ذَنْبَهُ فَيَسْتَحِي - ائْتُوا نُوحًا فَإِنَّهُ أَوَّلُ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ. فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ. وَيَذْكُرُ سُؤَالَهُ رَبَّهُ مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ فَيَسْتَحِي، فَيَقُولُ: ائْتُوا خَلِيلَ الرَّحْمَنِ. فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، ائْتُوا مُوسَى عَبْدًا كَلَّمَهُ اللَّهُ وَأَعْطَاهُ التَّوْرَاةَ. فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ. وَيَذْكُرُ قَتْلَ النَّفْسِ بِغَيْرِ نَفْسٍ فَيَسْتَحِي مِنْ رَبِّهِ فَيَقُولُ: ائْتُوا عِيسَى عَبْدَ اللَّهِ وَرَسُولَهُ، وَكَلِمَةَ اللَّهِ وَرُوحَهُ. فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، ائْتُوا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم عَبْدًا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ. فَيَأْتُونِي، فَأَنْطَلِقُ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ عَلَى رَبِي فَيُؤْذَنُ، فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِي وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يُقَالُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَرْفَعُ رَأْسِى فَأَحْمَدُهُ بِتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ، ثُمَّ أَشْفَعُ، فَيَحُدُّ لِي حَدًّا، فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ أَعُودُ إِلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِي مِثْلَهُ ثُمَّ أَشْفَعُ، فَيَحُدُّ لِي حَدًّا، فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ. ثُمَّ أَعُودُ الثَّالِثَةَ، ثُمَّ أَعُودُ الرَّابِعَةَ، فَأَقُولُ: مَا بَقِيَ فِي النَّارِ إِلاَّ مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ. لو استشفعنا: "لو" هذه للتمني والطلب أي: لو استشفعنا بأحد إلى الله، فيشفع لنا، فيخلصنا مما نحن من الكرب والضيق. أسجد لك ملائكته أي: جعلهم يسجدون لك. أسماء كل شيء: قيل: علمه أسماء الملائكة، وقيل: أسماء الأجناس دون أنواعها كإنسان وملك، وقيل: أسماء ما خلق الله في الأرض من الدواب والهوام والطير، وقيل: علمه أسماء ذريته. مكاننا هذا: هو موقف العرصات يوم الفزع الأكبر. ويروى: "يزيحنا" من الإزاحة والإبعاد. لست هناكم أي: لست في المكانة والمنزلة التي تظنونني بها. وهي مقام الشفاعة عند الله. ويذكر آدم ذنبه: يعني قربان الشجرة والأكل منها. نوح أول رسول إلى أهل الأرض أي: بالإنذار وإهلاك قومه. وأما آدم فكانت رسالته بمثابة التربية والإرشاد لأبنائه وذريته. ويذكر سؤاله ربه ما ليس له به علم: وهو ما حكي عنه في القرآن في قوله: "رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق". أي: وعدتني أن تنجى أهلى من الغرق. وقد أجابه الله كما قال: " فلا تسألن ما ليس لك به علم". وكان يجب ألا يسأل، لأنه لم يعلم من المراد من الأهل، وهو من آمن وعمل صالحا، أما ابنه فعمل غير صالح. خليل الرحمن: هو إبراهيم عليه السلام. يذكر موسى قتل النفس بغير نفس: هو قتله القبطي حينما استغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزة موسى فقضى عليه وانتصر لشيعته الإسرائيلى. عيسى كلمة الله: سمى بذلك لأنه وجد بأمره تعالى بدون أب، قال له كن فكان. وروحه أي: ذا روح صدر منه لا بتوسط ما يجرى مجرى الأصل والمادة له كالنطفة والبيضة. وقيل لأنه كان يحي الأموات ويحي القلوب. وقل يُسمع أي: يسمع قولك. واشفع تُشَفَّع أي: تقبل شفاعتك. فيتحد لي حدا أي: يبين لي قوما أشفع فيهم. فإذا رأيت ربي مثله أي: أفعل مثل ما سبق من السجود ورفع الرأس وغيره. ووجب عليه الخلود أي: حكم بحبسه أبدا، وهم الكفار. يعني قول الله تعالى: (خالدين فيها أبدا). باب قوله تعالى (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنداَدا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) 601- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أي: الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهْوَ خَلَقَكَ. قُلْتُ: إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: وَأَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ تَخَافُ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ. قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: أَنْ تُزَانِي حَلِيلَةَ جَارِكَ. عبد الله: عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. ندا أي: مثلا ونظيرا. وهو خلقك أي: وغيره لا يستطيع خلق شيء. وأن تقتل ولدك تخاف أن يطعم معك: في هذا ذم شديد للبخيل، لأن بخله أداه إلى أن يقتل ولده مخافة أن يأكل معه. المزاناة: مفاعلة من الزنى، معناه أن تزنى برضاها. والحليلة: الزوجة سميت بذلك من الحلال، أو من الحلول لأنها تحل معه، أو من حل الإزار. وقدم الشرك؛ لأنه أعظم الذنوب (إن الشرك لظلم عظيم)، ثم ثنى بالقتل لأنه أكبر الكبائر بعد الشرك، ثم ثلث بالزنى لأنه سبب لاختلاط الأنساب، وعظم حرمته مع حليلة الجار، لأن الجار يتوقع من جاره المحافظة والذب عنه وعن حريمه، فإذا غدر به ذلك الغدر كان ذلك أشنع للجرم، وأفظع للذنب. باب: (مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ) 602- عَنْ أَنَسٍ قَالَ: سَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ بِقُدُومِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ فِي أَرْضٍ يَخْتَرِفُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلاَثٍ لاَ يَعْلَمُهُنَّ إِلاَّ نَبِي، فَمَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ وَمَا أَوَّلُ طَعَامِ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ وَمَا يَنْزِعُ الْوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ أَوْ إِلَى أُمِّهِ؟ قَالَ: أَخْبَرَنِي بِهِنَّ جِبْرِيلُ آنِفًا. قَالَ: جِبْرِيلُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ. فَقَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ)، أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ، وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ نَزَعَ الْوَلَدَ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ نَزَعَتْ. قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ! يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ وَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلاَمِى قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَهُمْ يَبْهَتُونِي. فَجَاءَتِ الْيَهُودُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أي: رَجُلٍ عَبْدُ اللَّهِ فِيكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا، وَسَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا. قَالَ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ. فَقَالُوا: أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ. فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالُوا: شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا. وَانْتَقَصُوهُ. قَالَ: فَهَذَا الَّذِي كُنْتُ أَخَافُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. يخترف أي: يجتنى من ثمار هذه الأرض. أشراط: جمع شرط، بالتحريك، وهو العلامة. ينزع إلى أبيه أو أمه أي: يجعله يشبه أحدهما. آنفا أي: منذ ساعة، أو في أقرب وقت منا. فقرأ هذه الآية أي: رسول الله، ردا على من زعم ذلك، وهو عبد الله بن صوريا. وسبب عدواة اليهود لجبريل ما حكاه الثعلبي عن ابن عباس أن نبيهم أخبرهم أن بختنصر يخرب بيت القدس، فبعثوا رجلا ليقتله فوجده شابا ضعيفا، فمنعه جبريل من قتله وقال له: إن كان الله أراد هلاككم عن يده فلن تسلط عليه، وإن كان غيره فعلى أي: حق تقتله؟ فتركه، فكبر بختنصر وغزا بيت المقدس فقتلهم وخربه. فصاروا يكرهون جبريل لذلك. زيادة كبد حوت: هي القطعة المنفردة بالكبد، وهي أطيبها وأهنأ الأطعمة. نزع الولد: بالنصب على المفعولية أي: جذبه إليه. نزعت أي: نزعته وجذبته إليها. بُهُت: جمع بهوت، وهو الكثير البهتان، أو الكذاب الممارس. يبهتوني أي: يكذبون ويفترون على. باب قوله (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا) 603- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: أَقْرَؤُنَا أُبَيٌ، وَأَقْضَانَا عَلِي، وَإِنَّا لَنَدَعُ مِنْ قَوْلِ أُبَيٍّ، وَذَاكَ أَنَّ أُبَيًّا يَقُولُ: لاَ أَدَعُ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا). أبى: هو أبي بن كعب. أقضانا علىّ أي: أعلمنا بالقضاء على بن أبي طالب. لندع أي: لنترك. وفي رواية: "من لحن أبي" أي: من لغته. لا أدع شيئا سمعته من رسول الله أي: لا أترك شيئا سمعته منه. وكان أبي لايقول بنسخ شيء من القرآن لكونه لم يبلغه نسخ ما نسخت تلاوته. والآية تلاها عمر يحتج بها على أبي بن كعب لجواز وقوع النسخ. وقد تعقب ذلك بأنها قضية شرطية لا تستلزم الوقوع. وأجيب بأن السياق وسبب النزول كان في ذلك، لأنها نزلت جوابا لمن أنكر ذلك. باب (وَقَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدَا سُبْحَانَهُ) 604- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ اللَّهُ: كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ، فَزَعَمَ أَنِّي لاَ أَقْدِرُ أَنْ أُعِيدَهُ كَمَا كَانَ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ لِي وَلَدٌ، فَسُبْحَانِي أَنْ أَتَّخِذَ صَاحِبَةً أَوْ وَلَدًا. الآية: نزلت ردا على النصارى لما قالوا: المسيح ابن الله، واليهود لما قالوا عزير ابن الله، والمشركين لما قالوا الملائكة بنات الله. كذبني ابن آدم أي: بعض أبناء آدم. الشتم: وصف الشخص بما فيه إزراء ونقص. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. فزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان: مع أن الإعادة أهون من بدء الخلق، (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه). أما قوله: لي ولد: إنما كان ذلك شتما لما فيه من التنقيص، لأن الولد إنما يكون عن والدة تحمله ثم تضعه، ويستلزم ذلك بعض البواعث التي يجب تنزيه الله عنها. سبحإني أي: تنزهت. باب (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا) 605- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْكِتَاب ِيَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ، وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لأَهْلِ الإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لاَ تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلاَ تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا: (آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا) الآيَةَ. أهل الكتاب: يعني اليهود. والمقصود بالحديث: أي إذا كان ما يخبرون به المسلمين محتملا؛ وذلك خشية أن يكون ما يخبرون به صدقا فيكذبوه، أو كذبا فيصدقوه، فيقعوا في الحرج. ولم يرد النهي عن تكذيبهم فيما ورد شرعنا بخلافه، ولا عن تصديقهم فيها ورد شرعنا بوفاقه، بل المراد التوقف. قال الخطابي: هذا الحديث أصل في وجوب التوقف عما يشكل من الأمور فلا يقضى عليه بصحه أو بطلان، ولا بتحليل وتحريم. وقد أمرنا أن نؤمن بالكتب المنزلة على الأنبياء عليهم السلام، إلا أنه لا سبيل لنا إلى أن نعلم صحيح ما يحكونه عن تلك الكتب من سقيمه، فنتوقف فلا نصدقهم؛ لئلا نكون شركاء معهم فيما حرفوه منه، ولا نكذبهم فلعله يكون صحيحا فنكون منكرين لما أمرنا أن نؤمن به. وعلى هذا كان توقف السلف عن بعض ما أشكل عليهم، وتعليقهم القول فيه، كما سئل عثمان رضي الله تعالى عنه عن الجمع بين الأختين في ملك اليمين فقال: أحلتهما آية وحرمتهما آية. وكما سئل ابن عمر عن رجل نذر أن يصوم كل اثنين فوافق ذلك اليوم يوم عيد فقال: أمر الله بالوفاء بالنذر، ونهي النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم العيد. فهذا مذهب من يسلك طريق الورع، وإن كان غيرهم قد اجتهدوا واعتبروا الأصول، فرجحوا أحد المذهبين على الآخر. وكل على ما ينويه من الخير ويؤمه من الصلاح مشكور. باب قوله تعالى (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا) 606- عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه: أَنَّ النبيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَإِنَّهُ صَلَّى - أَوْ صَلاَّهَا - صَلاَةَ الْعَصْرِ، وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ صَلَّى مَعَهُ، فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ وَهُمْ رَاكِعُونَ قَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قِبَلَ مَكَّةَ، فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَكَانَ الَّذِي مَاتَ عَلَى الْقِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ قِبَلَ الْبَيْتِ رِجَالٌ قُتِلُوا لَمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ فِيهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ). البراء: هو البراء بن عازب. وكانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس: حينما كان بالمدينة. ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا: الشك من الراوى. قبل البيت أي: جهة البيت العتيق بمكة. صلى أو صلاها: الشك من الرواى. و"صلاة" بدل من الضمير المنصوب في "صلاها". فخرج رجل ممن كان صلى: هو عباد بن بشر الأشهلى، أو عباد بن نهيك الحطمى. فمر على أهل المسجد: مسجد المدينة أو مسجد قباء. وهم راكعون أي: في حالة الركوع، أو في حالة الصلاة من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل. أشهد بالله أي: أحلف به. إيمانكم أي: ثواب إيمانكم أي: صلاتكم إلى بيت المقدس. رءوف رحيم أي: لا يضيع أجورهم. باب قوله تعالى (إِنَّ الصَّفَا والْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللهِ)
عروة: هو عروة بن الزبير بن العوام. الصفا والمروة: علمان لجبلين معروفين. من شعائر الله أي: من مناسك الحج. فما أُرى أي: ما أظن. فما أُرى على أحد شيئا أي: شيئا من الإثم والجناح. أن لا يطوف بهما: لأن مفهوم الآية أن السعى ليس بواجب، لأنها دلت على رفع الجناح وهو الإثم، وذلك يدل على الإباحة لا الوجوب. لو كانت كما تقول كانت… أي: بزيادة "لا" بعد "أن" لتدل على رفع الإثم عن التارك لذلك، وبذلك لا يكون في الآية نص على الوجوب ولا على عدمه وذلك حقيقة المباح. ولكن لم ترد الآية بزيادة "لا" حتى يفهم هذا الفهم، بل الطواف ركن عند مالك والشافعى، سنة عند أحمد، واجب عند أبي حنيفة. إنما أنزلت هذه الآية في الأنصار: هذا بيان منها لسبب الاقتصار على نفى الإثم، وهو هذا السبب الخاص. كانوا يهلون لمناة أي: كانوا قبل الإسلام يهلون لهذا الصنم. والإهلال: رفع الصوت بالتلبية. حذو قديد أي: مقابل هذا الموضع، وهو منازل طريق مكة إلى المدينة. كانوا يتحرجون: وعلة تحرجهم أي: احترازهم من الإثم، أنه كان لغيرهم صنمان أحدهما بالصفا والآخر بالمروة، وهما إساف ونائلة، فتحرجوا كراهة لذينك الصنمين، وكرامة لصنمهم الذي بقديد، فكان ذلك سنة آبائهم. سألوا رسول الله عن ذلك أي: عن الطواف بينهما. باب قوله تعالى: (أَيَّاما مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضا أَو عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) 608- عَنْ عَطَاءٍ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقول: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطَوَّقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ). قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ، هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ لاَ يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا، فَلْيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا. يطوقونه أي: يكلفون إطاقته، أو يتحملونه. وهذه قراءة ابن مسعود وابن عباس. وقرئ: "يطيقونه" وهي قراءة الجمهور. وفي إحدى قراءتى ابن عباس: "يتطوقونه" بمعنى يتكلفونه. الفدية: البدل المالي. كان ابن عباس لا يرى النسخ في هذا. وقد خالفه الجمهور. ومجمل كلامهم أن النسخ ثابت في حق الصحيح الجسم المقيم، نسخ ذلك بقوله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه). وأما الشيخ الفاني فله أن يفطر ولا قضاء عليه، ولكن هل يجب عليه إذا أفطر أن يطعم عن كل يوم أفطره مسكينا إذا قادرا على هذه النفقة؟ للعلماء فى هذا قولان: أحدهما عدم الوجوب كما هو شأن الصبي، وهو أحد قولي الشافعى. والثاني وهو المعتمد، وعليه أكثر العلماء أنه يجب عليه فدية عن كل يوم. باب (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِيَّامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ) 609- عن الْبَرَاءَ رضي الله عنه قال: لَمَّا نَزَلَ صَوْمُ رَمَضَانَ كَانُوا لاَ يَقْرَبُونَ النِّسَاءَ رَمَضَانَ كُلَّهُ، وَكَانَ رِجَالٌ يَخُونُونَ أَنْفُسَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ) الآية. البراء: هو البراء بن عازب. لما نزل صوم رمضان أي: الأمر بصومه، وكان ذلك في شعبان في السنة الثانية من الهجرة. كانوا لا يقربون النساء رمضان كله: يعني ليلا ونهارا. يخونون أنفسهم أي: يفعلون ذلك، منهم عمر بن الخطاب، وكعب بن مالك. تختانون: افتعال من الخيانة، يقال خانه واختانه. باب (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَّينَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبَيضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ) 610- عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ- رضي الله عنه – قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ أَهُمَا الْخَيْطَانِ؟ قَالَ: إِنَّكَ لَعَرِيضُ الْقَفَا إِنْ أَبْصَرْتَ الْخَيْطَيْنِ. ثُمَّ قَالَ: لاَ بَلْ هُوَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ. كان عدي بن حاتم بعد نزول الآية قد أخذ خيطا أبيض وخيطا أسود فجعلها تحت وسادته، حتى إذا كان بعض الليل نظر إليهما فلم يستبينا، فلما أصبح جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وسأله في ذلك. عريض القفا: كناية عن البله والغفلة، ومثله عريض الوساد، لأنه إذا كان وساده عريضا فقفاه عريض. باب (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى) 611- عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: كَانُوا إِذَا أَحْرَمُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَتَوُا الْبَيْتَ مِنْ ظَهْرِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا). البراء: البراء بن عازب الأنصارى. كانوا إذا أحرموا أي: الأنصار وسائر العرب غير الحمس، وهم قريش وكنانة وخزاعة وثقيف وخثعم وعامر بن صعصعة ونصر بن معاوية. إذا أحرموا أي: بحج أو عمرة. أتوا البيت من ظهره: لا يدخلونه من بابه، بل من نقب أو فرجة من ورائه. ولكن البر من اتقى أي: ولكن البر من اتقى الله، أو لكن ذا البر هو من اتقى. (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ) 612- عن جَابِرٍ - رضي الله عنه – قَالَ: كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ: إِذَا جَامَعَهَا مِنْ وَرَائِهَا جَاءَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ. فَنَزَلَتْ: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ إني شئتم). جامعها من ورائها، أي باركة مدبرة في موضع الوطء. فنزلت: تكذيبا لهم في ذلك الزعم. حرث لكم أي: كالحرث أي: الأرض المراد حرثها للزراعة. فأتوا حرثكم إني شئتم أي: كما تأتون أرضكم التي تريدون أن تحرثوها، من أي جهة شئتم، لا يحظر عليكم جهة دون جهة. والمعنى ليكن ذلك من أي شق أردتم ما دام المأتى واحدا. وإنما قيد بالحرث ليشير أنه لا يجوز تجاوز هذا المكان، وهو موضع البذر وطلب النسل. باب (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرا) 613- قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا) قَالَ: قَدْ نَسَخَتْهَا الآيَةُ الأُخْرَى فَلِمَ تَكْتُبُهَا؟ أَوْ تَدَعُهَا؟ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، لاَ أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْهُ مِنْ مَكَانِهِ. ابن الزبير: هو عبد الله بن الزبير. الآية الأولى هي: الآية 240 وتمامها: "وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن من معروف والله عزيز حكيم". وهي صريحة في أنه يجب على الذين يتقون أن يوصوا قبل أن يحتضروا لأزواجهم أن يمتعن بعدهم حولا بالسكنى. وكان الحكم في أول الإسلام أنه إذا مات الرجل لم يكن لامرأته شيء من اليراث إلا النفقة والسكنى سنة. قال: قد نسختها،… القائل: ابن الزبير أيضا. الآية الأخرى: هي آية الباب: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن). وهي متقدمة في التلاوة متأخرة في التنزيل. فلم تكتبها أو تدعها: الشك من الراوى. أي لماذا تكتب هذه الآية فى المصحف وقد نسختها الآية 234. ولم تدعها أي: لماذا تدعها مكتوبة في المصحف. أي ما الحكمة في إبقاء رسمها مع زوال حكمها؟ ابن أخى: جريا على عادة العرب، أو نظرا إلى أخوة الإيمان، أو لأن عثمان من أولاد قصى وكذلك عبد الله بن الزبير. لا اغير شيئا منه من مكانه أي: لا أغير شيئا من القرآن من مكانه. وكان عبد الله ظن أن ما نسخ لا يكتب. وليس كما ظن، بل لذلك حكم كثيرة: الأولى: أن الله لو أراد نسخ لفظه لرفعه كما في آيات عديدة. الثانية: أن في تلاوته ثوابا كما في تلاوة غيره. الثالثة: إن كان تثقيلا ونسخ بتخفيف عرف بتذكره مقدار اللطف منه سبحانه. وإن كان تخفيفا ونسخ بتثقيل علم أن المراد انقياد النفس للأصعب، وتعويدها التسليم والانقياد. باب (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) 614- عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلاَةِ يُكَلِّمُ أَحَدُنَا أَخَاهُ فِي حَاجَتِهِ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ. الصلاة الوسطى: المتوسطة بين صلاتى الليل وصلاتى النهار، فقيل الصبح، وقيل العصر، وقيل التى تقع في وسط النهار، وهي الظهر. وقيل الوسطى في عدد ركعاتها وهي المغرب، وقيل الوسطى صلاة الجمعة لأنها أفضل الصلوات لما فيها من اجتماع واجب واحتفال جامع. قانتين أي: مطيعين، وقيل خاشعين ذليلين مستكينين. فأمرنا بالسكوت أي: عن الكلام الذي لا يتعلق بالصلاة، إذ ليس في الصلاة حالة سكوت. باب (وإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى) 615- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ: (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِى الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي). نحن أحق بالشك أي: لو كان الشك في قدرة الله متطرقا إلى الأنبياء لكنت أنا أحق به. وقد علمتم إني لم أشك فإبراهيم لم يشك حينما قال: (رب أرنى كيف تحيى الموتى). قال أو لم تؤمن: بإني قادر على الإحياء بإعادة التركيب والحياة. قال له ذلك وقد علم أنه أثبت الناس إيمانا، ليجيب بما أجاب فيعلم السامعون غرضه. إنما طلب رؤية ذلك ليزيد بصيرة وسكون قلب، بانضمام المعاينة المادية إلى الوحى والاستدلال، وليظهر ذلك عيانا للجاحدين المنكرين. وليترقى من علم اليقين إلى عين اليقين. وقد ذكر في سبب سؤال الخليل لذلك أنه احتج على نمروذ بقوله: ربى الذي يحيى ويميت، قال نمروذ: أنا أحيى وأميت: أطلق محبوسا وأقتل آخر. قال إبراهيم: إن الله يحيى بأن يقصد إلى جسد ميت فيحييه ويجعل فيه الروح. فأجاب نمروذ: أنت عاينت ذلك؟ فلم يقدر أن يقول له: نعم عاينته. فقال: رب أرنى كيف تحيى الموتى، حتى يخبر به معاينة إن سئل عن ذلك مرة أخرى.باب (وَإٍن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللهُ) 616- عن ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهَا قَدْ نُسِخَتْ: (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ) الآيَةَ. نسختها الآية التي بعدها: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا"، فإنه لما نزلت الآية المنسوخة اشتد ذلك على الصحابة وخافوا من محاسبة الله لهم على جليل الأمور وحقيرها، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جثوا على الركب وقالوا: يا رسول الله، كلفنا من الأعمال ما نطيق: الصلاة والصيام والجهاد، وقد أنزل عليك هذه الآية ولا نطيقها! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا، بل قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير. فلما قرأها القوم وزلت بها ألسنتهم أنزل الله في إثرها: "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون" إلى "وإليك المصير" فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى فأنزل: "لايكلف الله نفسا إلا وسعها". باب: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ) 617- عن ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ مِنْ فِيهِ إِلَى فِيَّ قَالَ: انْطَلَقْتُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا بِالشَّأْمِ إِذْ جِيءَ بِكِتَابٍ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى هِرَقْلَ قَالَ: وَكَانَ دِحْيَةُ الْكَلْبِي جَاءَ بِهِ فَدَفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى، فَدَفَعَهُ عَظِيمُ بُصْرَى إِلَى هِرَقْلَ. قَالَ: فَقَالَ هِرَقْلُ: هَلْ هَهُنَا أَحَدٌ مِنْ قَوْمِ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِي؟ فَقَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَدُعِيتُ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَدَخَلْنَا عَلَى هِرَقْلَ، فَأُجْلِسْنَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ: أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا مِنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِي؟ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَقُلْتُ: أَنَا. فَأَجْلَسُونِي بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَجْلَسُوا أَصْحَابِي خَلْفِي، ثُمَّ دَعَا بِتُرْجُمَانِهِ فَقَالَ: قُلْ لَهُمْ: إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِي، فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَايْمُ اللَّهِ، لَوْلاَ أَنْ يُؤْثِرُوا عَلَيَّ الْكَذِبَ لَكَذَبْتُ! ثُمَّ قَالَ لِتُرْجُمَانِهِ: سَلْهُ كَيْفَ حَسَبُهُ فِيكُمْ؟ قَالَ: قُلْتُ: هُوَ فِينَا ذُو حَسَبٍ. قَالَ: فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ؟ قَالَ: قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: أَيَتَّبِعُهُ أَشْرَافُ النَّاسِ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ. قَالَ: يَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ؟ قَالَ: قُلْتُ: لاَ بَلْ يَزِيدُونَ. قَالَ: هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ دِينِهِ، بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ، سَخْطَةً لَهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: تَكُونُ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالا، يُصِيبُ مِنَّا وَنُصِيبُ مِنْهُ. قَالَ: فَهَلْ يَغْدِرُ؟ قَالَ: قُلْتُ: لاَ وَنَحْنُ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ لاَ نَدْرِى مَا هُوَ صَانِعٌ فِيهَا. قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَمْكَنَنِي مِنْ كَلِمَةٍ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرَ هَذِهِ. قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ قَبْلَهُ؟ قُلْتُ: لاَ. ثُمَّ قَالَ لِتُرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُ: إِنِّي سَأَلْتُكَ عَنْ حَسَبِهِ فِيكُمْ، فَزَعَمْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو حَسَبٍ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي أَحْسَابِ قَوْمِهَا، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ كَانَ فِي آبَائِهِ مَلِكٌ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ قُلْتُ رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ آبَائِهِ، وَسَأَلْتُكَ عَنْ أَتْبَاعِهِ أَضُعَفَاؤُهُمْ أَمْ أَشْرَافُهُمْ؟ فَقُلْتَ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ ثُمَّ يَذْهَبَ فَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ دِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ سَخْطَةً لَهُ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ إِذَا خَالَطَ بَشَاشَةَ الْقُلُوبِ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حَتَّى يَتِمَّ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّكُمْ قَاتَلْتُمُوهُ فَتَكُونُ الْحَرْبُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سِجَالا، يَنَالُ مِنْكُمْ وَتَنَالُونَ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى، ثُمَّ تَكُونُ لَهُمُ الْعَاقِبَةُ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ لاَ يَغْدِرُ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لاَ تَغْدِرُ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ أَحَدٌ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ، فَقُلْتُ لَوْ كَانَ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ قَبْلَهُ قُلْتُ رَجُلٌ ائْتَمَّ بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ. قَالَ: ثُمَّ قَالَ: بِمَ يَأْمُرُكُمْ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّلَةِ وَالْعَفَافِ. قَالَ: إِنْ يَكُ مَا تَقُولُ فِيهِ حَقًّا فَإِنَّهُ نَبِي، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ، وَلَمْ أَكُ أَظُنُّهُ مِنْكُمْ، وَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لأَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمَيْهِ، وَلَيَبْلُغَنَّ مُلْكُهُ مَا تَحْتَ قَدَمَيَّ. قَالَ: ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَرَأَهُ، فَإِذَا فِيهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ، سَلاَمٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلاَمِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ، و(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لاَ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ) إِلَى قَوْلِهِ (اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ). فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ ارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ عِنْدَهُ، وَكَثُرَ اللَّغَطُ، وَأُمِرَ بِنَا فَأُخْرِجْنَا. قَالَ: فَقُلْتُ لأَصْحَابِي حِينَ خَرَجْنَا: لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ، أَنَّهُ لَيَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الأَصْفَرِ! فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيَّ الإِسْلاَمَ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَدَعَا هِرَقْلُ عُظَمَاءَ الرُّومِ فَجَمَعَهُمْ فِي دَارٍ لَهُ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الرُّومِ، هَلْ لَكُمْ فِي الْفَلاَحِ وَالرَّشَدِ آخِرَ الأَبَدِ، وَأَنْ يَثْبُتَ لَكُمْ مُلْكُكُمْ قَالَ: فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الْوَحْشِ إِلَى الأَبْوَابِ، فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِقَتْ، فَقَالَ: عَلَيَّ بِهِمْ. فَدَعَا بِهِمْ فَقَالَ: إِنِّي إِنَّمَا اخْتَبَرْتُ شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ، فَقَدْ رَأَيْتُ مِنْكُمُ الَّذِي أَحْبَبْتُ. فَسَجَدُوا لَهُ وَرَضُوا عَنْهُ. من فيه إلى فيَّ: عبر بفىّ موضع "أذني" إشارة إلى تمكنه من الإصغاء إليه بحيث يجبيه إذا احتاج إلى الجواَب. وكانت مدة الصلح بالحديبية على وضع الحرب عشر سنين. هرقل: هو قيصر عظيم الروم. دحية الكلبي جاء به: من عند النبي صلى الله عليه وسلم في آخر سنة ست. عظيم بصرى أي: عظيم أهل بصرى، وهي بضم الباء من أعمال دمشق، وهي قصبة كورة حوران (الكورة: بقعة يجتمع فيها قرى ومحال، والقصبة: مدينتها)، وكان عظيم بصرى وقتئذ الحارث بن أبي شمر الغسإني. فدفعه إلى أهل هرقل أي: أرسل به إليه صحبة عدى بن حاتم. قال: فدعيت في نفر: القائل أبو سفيان. في نفر من قريش أي: مع نفر من قريش. والنفر: الجماعة ما بين الثلاثة إلى العشرة. فدخلنا على هرقل: هذه الفاء يسميها بعضهم فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن محذوف أي: فجاء رسول هرقل فطلبنا فتوجهنا معه حتى وصلنا إليه فاستأذن لنا فدخلنا عليه. فأجلسونى بين يديه أي: بين يدى هرقل. إني سائل هذا: يعني أبا سفيان. كذبني أي: نقل إلى الكذب. لولا أن يؤثروا على الكذب أي: لولا أن يرووا، ويحكوا عنى السخطة، بضم السين وفتحها: الكراهة وعدم الرضا. سجالا أي: نوبا أي: نوبة له ونوبة لنا. ففى بدر أصاب المسلمون من المشركين، وانعكس الأمر في أحد، وفي الخندق أصيب من الطائفتين ناس قليل. يغدر أي: ينقض العهد. ونحن منه في هذه المدة، هي مدة صلح الحديبية، أو مدة غيبته وانقطاع أخباره عنا. قال: والله ما أمكننى…: القائل أبو سفيان. كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه: شيئا، يعني شيئا أتنقصه به. غير هذه أي: هذه الكلمة. فهل قال هذا القول أحد: يعني من قريش. في أحساب قومها أي: في أرفع أحساب قومها. فقلت لو كان من آبائه ملك أي: قلت في نفسى. الرسل لا تغدر: لأنها لا تطلب حظ الدنيا الذي لا يبالى طالبه بالغدر. والصلة: صلة الأرحام. والعفاف أي: الكف عن المحارم وما يخرم المروءة. كنت أعلم أنه خارج أي: سيبعث في هذا الزمان. ولم أك أظنه منكم: يا معشر قريش. أخلص إليه أي: أصل إليه. ما تحت قدمى أي: أرض ملكه. فقرأه فإذا فيه: بوساطة ترجمانه. بدعاية الإسلام أي: بالكلمة الداعية إلى الإسلام، وهي شهادة التوحيد. يؤتك الله أجرك مرتين: لأنه آمن بنبيه ثم بمحمد صلى الله عليه وسلم. أو أن إسلامه سبب لإسلام أتباعه. فإن عليك إثم الأريسيين أي: عليك مع إثمك إثم هؤلاء القوم. والأريسيون هم الزراع، عبارة عن جميع رعاياه. أو الأريسيون جماعة ينسبون إلى عبد الله بن أريس، رجل كانت النصارى تعظمه، ابتدع في دينهم أشياء مخالفة لدين عيسى عليه السلام. اللغط: الضجة والجلبة. وكان اللغط من عظماء الروم، ولعله بسبب ما فهموه من ميل هرقل إلى التصديق بالنبي صلى الله عليه وسلم. لقد أَمِرَ أَمْرُ: أَمرَ كفَرِحَ عظم واشتد وقوى. أبو كبشة: كنية والد الرسول عليه السلام من الرضاع، وهو الحار بن العزى السعدى، زوج حليمة السعدية مرضعة الرسول. بنو الأصفر: هم الروم، لأن أباهم الأول كان أصفر اللون، وهو روم بن عيصو بن إسحاق. الزهري: هو محمد بن مسلم بن شهاب، أحد رجال السند في هذا الحديث. فدعا هرقل زعماء الروم: الفاء فاء الفصيحة، دلت على محذوف. أي: فسار هرقل إلى حمص فكتب إلى صاحبه ضغاطر، أسقف رومية، فجاء جوابه فدعا عظماء الروم. الأبد: الزمان. فحاصوا حيصة حمر الوحش أي: نفروا نفرتها. علىّ بهم: أي أحضروهم إلى. فدعا بهم فقال أي: فردوهم إليه فقال. فسجدوا له: كان السجود للملوك عادة لهم. ورضواعنه: فرجعوا عما كانوا هموا به عند نفرتهم، من الخروج عليه. باب (قُلْ فَأْتوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) 618- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ مِنْهُمْ وَامْرَأَةٍ قَدْ زَنَيَا، فَقَالَ لَهُمْ: كَيْفَ تَفْعَلُونَ بِمَنْ زَنَى مِنْكُمْ؟ قَالُوا: نُحَمِّمُهُمَا وَنَضْرِبُهُمَا. فَقَالَ: لاَ تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ الرَّجْمَ. فَقَالُوا: لاَ نَجِدُ فِيهَا شَيْئًا. فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ: كَذَبْتُمْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. فَوَضَعَ مِدْرَاسُهَا الَّذِي يُدَرِّسُهَا مِنْهُمْ كَفَّهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ، فَطَفِقَ يَقْرَأُ مَا دُونَ يَدِهِ وَمَا وَرَاءَهَا، وَلاَ يَقْرَأُ آيَةَ الرَّجْمِ، فَنَزَعَ يَدَهُ عَنْ آيَةِ الرَّجْمِ فَقَالَ: مَا هَذِهِ؟! فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَالُوا: هِيَ آيَةُ الرَّجْمِ. فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا قَرِيبًا مِنْ حَيْثُ مَوْضِعُ الْجَنَائِزِ عِنْدَ الْمَسْجِدِ، فَرَأَيْتُ صَاحِبَهَا يَجْنَأُ عَلَيْهَا يَقِيهَا الْحِجَارَةَ. اليهود: يهود خيبر، وكان ذلك في ذى القعدة من السنة الرابعة. رجل وامرأة زنيا: وكانا من أهل العهد. نحممهما أي: نسوَّد وجوه الزانيين بالحمم، وهو الفحم. لا تجدون في التوراة الرجم أي: رجم الزإني المحصن. وإنما سألهم عليه الصلاة والسلام ليلزمهم بما يعتقدونه فى كتابهم الموافق لحكم الإسلام، إقامة للحجة عليهم، لا لتقليدهم ومعرفة الحكم منهم. مدراسها: صيغة مبالغة من درس أي: صاحب دراسة كتبهم، وهو عبد الله ابن صوريا. فطفق يقرأ… ولا يقرأ آية الرجم: متظاهرا أنها ليست في التوراة. فنزع أي: عبد الله بن سلام. فلما رأوا ذلك قالوا أي: اليهود. قال: فرأيت…: القائل هو ابن عمر. فرأيت صاحبها أي: صاحب المرأة الزانية. يجنأ عليها أي: يكب إكبابا عليها. وروى: "يحنى" أي: يميل وينعطف. باب (لَيْسِ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ) 619- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى أَحَدٍ أَوْ يَدْعُوَ لأَحَدٍ قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ، فَرُبَّمَا قَالَ: إِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، اللَّهُمَّ، أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ وَاجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ. يَجْهَرُ بِذَلِكَ وَكَانَ يَقُولُ فِي بَعْضِ صَلاَتِهِ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ: اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا. لأَحْيَاءٍ مِنَ الْعَرَبِ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ). أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد أي: في الصلاة. القنوت: الدعاء. الوليد بن الوليد: هو أخو خالد بن الوليد، أسلم وتوفى في حياته عليه السلام. سلمة بن هشام: هو ابن عم خالد بن الليد وأخو أبى جهل، وكان من السابقين إلى الإسلام، استشهد في خلافة أبى بكر بالشام سنة 14. عياش بن أبى ربيعة: ابن عم الذي قبله، وهو من السابقين أيضا. اشدد وطأتك أي: بأسك، والوطأة أيضا: الضغطة، ومعناه خذهم أخذا شديدا. سنى يوسف: كانت سنو يوسف سبعا شدادا ذات قحط وغلاء. كان يقول في بعض صلاته: إشارة إلى أنه كان لا يداوم على ذلك. لأحياء من العرب: هم رعل، وذكوان، وعصية. والأحياء: جمع حى، وهو القبيلة من قبائل العرب. الآية: بالرفع على تقدير: الآية بتمامها. وبالنصب أي: اقرأ الآية أو أكملها. باب قوله تعالى: (الرسول يدعوكم في أخركم) 620- عن الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ - رضي الله عنهما – قَالَ: جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الرَّجَّالَةِ يَوْمَ أُحُدٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ، وَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ، فَذَاكَ إِذْ يَدْعُوهُمُ الرَّسُولُ فِي أُخْرَاهُمْ، وَلَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ اثْنَىْ عَشَرَ رَجُلا. جعل على الرجالة أي: جعل عليهم أميرا. والرجالة خلاف الفرسان. وكانوا خمسين رجلا من الرماة. أقبلوا منهزمين أي: رجع بعض المسلمين منهزمين، وذلك أنهم صاروا ثلاث فرق: فرقة استمروا في الهزيمة إلى قرب المدينة فلم يرجعوا حتى انتهي القتال وهم قليلون، ونزل فيهم: "إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان"، وفرقة صاروا حيارى عندما سمعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قتل، فكانوا في حال بين الدفاع والاستماتة. وفرقة ثبتت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. في أخراهم أي: في ساقتهم وجماعتهم الأخرى المتأخرة، دعاهم ليرجعوا، كان يقول: إلىّ عباد الله! وهم يفرون منه. وفي قوله "في أخراكم" دلالة عظيمة على شجاعة الرسول، فإن الوقوف على أعقاب الشجعان، وهم يفرون إنما هو للأبطال الأنجاد. اثنى عشر رجلا: ذكرهم الواقدى والبلاذرى ستة عشر رجلا، وهم المهاجرين: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلى، وسعد بن أبى وقاص، وطلحة، والزبير، وأبو عبيدة، وعبد الرحمن بن عوف. ومن الأنصار: أسيد بن حضير، والحباب بن المنذر، والحارث بن الصمة، وسعد بن معاذ، وأبو دجاتة، وعاصم بن ثابت بن أبى الأقلح، وسهل بن حنيف. باب قوله: (أَمَنَةً نُّعَاسا) 621- عن أَبى طَلْحَةَ قَالَ: غَشِيَنَا النُّعَاسُ، وَنَحْنُ فِي مَصَافِّنَا يَوْمَ أُحُدٍ. قَالَ: فَجَعَلَ سَيْفِي يَسْقُطُ مِنْ يَدِى وَآخُذُهُ، وَيَسْقُطُ وَآخُذُهُ. أبو طلحة: هو زيد بن سهل الأنصارى. مصافّ: جمع مَصَفّ، وهو الموقف في الحرب. وكانوا قد ناموا من غير خوف، جازمين بأن الله سينصر رسوله وينجز له مأموله. أما الطائفة الأخرى وهم المنافقون فلم يناموا، لأنه لم يكن لهم همٌّ إلا أنفسهم، وكانوا أجبن قوم وأرعبه وأخذله للحق، يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية. باب (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ) 622- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ رِجَالا مِنَ الْمُنَافِقِينَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْغَزْوِ تَخَلَّفُوا عَنْهُ، وَفَرِحُوا بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اعْتَذَرُوا إِلَيْهِ وَحَلَفُوا، وَأَحَبُّوا أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا، فَنَزَلَتْ: (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا). مقعدهم أي: قعودهم، مصدر ميمي. وخلاف: بمعنى المخالفة، ويقال معناها خلف رسول الله. اعتذروا إليه: عن تخلفهم. بما أتوا: أي بما فعلوا من التدليس. وقرئ أيضا: "لا يحسبن" بالياء. باب (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيا يُنَادِي لِلإِيمَانِ) 623- عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ خَالَتُهُ قَالَ: فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ الْوِسَادَةِ، وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى انْتَصَفَ اللَّيْلُ، أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ، أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ الآيَاتِ الْخَوَاتِمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ فَتَوَضَّأَ مِنْهَا، فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِي، قال ابن عباس: فقمتُ فَصَنَعْت ُمِثْلَ مَا صَنَعَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ الْيُمني عَلَى رَأْسِى، وَأَخَذَ بِأُذُنِي بِيَدِهِ الْيُمني يَفْتِلُهَا، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَوْتَرَ، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى جَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ، فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ. الشن: القربة التي يبست وعتقت من الاستعمال وطول العهد، يذكر وصفه لتذكير لفظه، ويؤنث وصفه لما فيه من معنى القربة. وفى إحدى الروايات: "ثم أتى شنا معلقا". فقمت إلى جنبه: وفى رواية: "فقمت عن يساره فأخذنى فجعلنى عن يمينه". يفتلها: من الفتل، وهو اللى كما يفتل الحبل. فصلى ركعتين ثم… أي: اثنتى عشرة ركعة. ركعتين خفيفتين: هما سنة الفجر. فصلى الصبح أي: صلى بأصحابه الصبح. سورة النساء باب (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى) 624- عن عُرْوَةَ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لاَ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى). فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي، هَذِهِ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا، تَشْرَكُهُ فِي مَالِهِ وَيُعْجِبُهُ مَالُهَا وَجَمَالُهَا، فَيُرِيدُ وَلِيُّهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ أَنْ يُقْسِطَ فِي صَدَاقِهَا، فَيُعْطِيَهَا مِثْلَ مَا يُعْطِيهَا غَيْرُهُ، فَنُهُوا عَنْ أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ، إِلاَّ أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ، وَيَبْلُغُوا لَهُنَّ أَعْلَى سُنَّتِهِنَّ فِي الصَّدَاقِ، فَأُمِرُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَا طَابَ لَهُمْ مِنَ النِّسَاءِ سِوَاهُنَّ. تقسطوا: من الإقساط، وهو العدل. وقرىء: "تقسطوا" بفتح التاء من الثلاثى، يقال قسط، إذا جار وظلم، فتكون "لا" على هذه القراءة الأخيرة زائدة، كهي في "لئلا يعلم أهل الكتاب". فقالت يا ابن أختى: كانت أم عورة بن الزبير أسماء بنت أبى بكر، أخت عائشة. وليها: القائم بأمورها وله ولاية على مالها. يقسط أي: يلتزم جانب العدل. سنتهن في الصداق أي: طريقتهن في المهر. ما طاب أي: ما كان حلالا. باب (وَمَن كَانَ فَقِيرا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) 625- عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي مَالِ الْيَتِيمِ إِذَا كَانَ فَقِيرًا، أَنَّهُ يَأْكُلُ مِنْهُ مَكَانَ قِيَامِهِ عَلَيْهِ، بِمَعْرُوفٍ. من كان غنيا أي: من الأولياء. فليستعفف أي: فليعف عنه، ولا يأكل منه شيئا. نزلت فى مال اليتيم إذا كان فقيرا: أي إذا كان الوالى على اليتيم فقيرا. مكان قيامه عليه بمعروف أي: بقدر حاجته، بحيث لايتجاوز أجر المثل. وهل يرد عليه ما أكل من مال إذا أيسر؟ الصحيح أنه لا يرد. وقيل: لا يأكل وإن كان فقيرا لقوله تعالى: "إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما". وأجيب بأنه عام، والخاص مقدم عليه. باب (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى) 626- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما: (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ) قَالَ: هِيَ مُحْكَمَةٌ وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ.
المراد من لم يكن منهم وارثا للميت. فهولاء يرزقون مما ترك الوالدان والأقربون، تطييبا لقلوبهم وتصدقا عليهم. والأمر فيه للندب لا للوجوب؛ وقيل الأمر فيه للوجوب، وكان ذلك في بدء الإسلام، ثم اختلف في نسخه، فالجمهور على أنه نسخ بآية المواريث فأمر الله لكل ذى حق بحقه وشرعت الوصية يوصى بها لذوى قرابته فى الحدود المقررة، وهو مذهب الأئمة الأربعة وأصحابهم. وقال ابن عباس: الآية محكمة غير منسوخة كما في نص الحديث. باب قوله (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ) 627- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما – قَالَ: كَانَ الْمَالُ لِلْوَلَدِ، وَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ، فَنَسَخَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَحَبَّ، فَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ، وَجَعَلَ لِلأَبَوَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسَ وَالثُّلُثَ، وَجَعَلَ لِلْمَرْأَةِ الثُّمُنَ وَالرُّبُعَ، وَلِلزَّوْجِ الشَّطْرَ وَالرُّبُعَ. كان المال للولد أي: كان مال المتوفى لولده فقط. وكانت الوصية للوالدين أي: كانت واجبة لهما على ما يراه ولدهما الموصى من مساواة أو تفضيل. فنسخ الله من ذلك: بآية المواريث. للذكر: أي من أولاد المتوفى. السدس للأبوين: إن كان للميت ولد ذكر أو أنثى، والثلث للأم: وذلك إذا لم يكن له ولد. للمرأة الثمن والربع: الثمن: مع وجود الولد، والربع: مع عدمه. وكذلك: الشطر، وهو النصف، عند عدم الولد، والربع: مع وجود الولد. باب (لا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْها) 628- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: كَانُوا إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ كَانَ أَوْلِيَاؤُهُ أَحَقَّ بِامْرَأَتِهِ، إِنْ شَاءَ بَعْضُهُمْ تَزَوَّجَهَا، وَإِنْ شَاءُوا زَوَّجُوهَا، وَإِنْ شَاءُوا لَمْ يُزَوِّجُوهَا، فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا مِنْ أَهْلِهَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي ذَلِكَ. كانوا أي: أهل الجاهلية، أو أهل المدينة. إن شاء بعضهم تزوجها: بدون صداق، مكتفيا في ذلك بصداقها الأول، وكأنها ميراث له، وإن شاءوا زوجوها أي: زوجوها لمن أرادوا وانتفعوا بصدقها الجديد. وإن شاءوا لم يزوجوها: فتكون في يدهم حتى تموت فيرثوها، أو تفتدى نفسها منهم بمال. باب (فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ) 629- عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رضي الله عنه - (فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ): رَجَعَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أُحُدٍ، وَكَانَ النَّاسُ فِيهِمْ فِرْقَتَيْنِ: فَرِيقٌ يَقُولُ: اقْتُلْهُمْ. وَفَرِيقٌ يَقُولُ: لاَ. فَنَزَلَتْ: (فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ). الفئة: الجماعة. رجع الناس…من أحد: وهم عبد الله بن أُبىّ وأتباعه من المنافقين، وكانوا ثلثمائة، وبقى معه صلى الله عليه وسلم يومئذ سبعمائة من المؤمنين. يقول: اقتلهم: لأنهم منافقون. وفريق يقول لا: لأنهم تكلموا بكلمة الإسلام. باب (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنا مُّتَعَمِّدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ) 630- عن سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ: آيَةٌ اخْتَلَفَ فِيهَا أَهْلُ الْكُوفَةِ، فَرَحَلْتُ فِيهَا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْهَا فَقَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ) هِيَ آخِرُ مَا نَزَلَ وَمَا نَسَخَهَا شَيْءٌ. اختلف فيها أهل الكوفة أي: اختلفوا في حكمها. هي آخر ما نزل أي: في هذا الباب لم ينزل بعدها من القرآن ما ينسخها. والقول بخلود قاتل المؤمن في النار محمول عند الجمهور على الزجر والتغليظ، وذلك للدلائل الدالة على خلافه، فإن كل ذنب تمحوه التوبة، وناهيك بمحو التوبة لذنب الإشراك بالله. وهذا التغليظ شبيه بقوله صلى الله عليه وسلم: "لَزَوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم". أو المراد بالخلود في النار هنا المكث الطويل الشبيه بالخلود. باب (ولا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنا) 631- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما - (وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا). قَالَ: كَانَ رَجُلٌ فِي غُنَيْمَةٍ لَهُ فَلَحِقَهُ الْمُسْلِمُونَ فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ، فَقَتَلُوهُ وَأَخَذُوا غُنَيْمَتَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ إِلَى قَوْلِهِ: (عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا): تِلْكَ الْغُنَيْمَةُ. كان رجل في غنيمة له: هو عامر بن الأضبط. غنيمة: تصغير غنم، يعني جماعة قليلة منها. فلحقة المسلمون: كان المسلمون فى سرية لهم، وكان أميرها أبا قتادة. فقتلوه: وكان الذي قتله محلم بن جثامة. فأنزل الله في ذلك: يعني قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا…". عرض الحياة الدنيا أي: متاعها وحطامها. باب (لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) 632- عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: (لاَ يَسْتَوِى الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ادْعُوا فُلاَنًا. فَجَاءَهُ وَمَعَهُ الدَّوَاةُ وَاللَّوْحُ أَوِ الْكَتِفُ فَقَالَ: اكْتُبْ لاَ يَسْتَوِى الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَخَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا ضَرِيرٌ! فَنَزَلَتْ مَكَانَهَا: (لاَ يَسْتَوِى الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ). البراء: البراء بن عازب رضي الله عنه. ادعوا فلانا: هو زيد بن ثابت. اللوح: كل عظم عريض. أو الكتف: الشك من الراوى. وكانت الأكتاف مما يكتب فيه. ابن أم مكتوم: اسمه عبد الله أو عمرو، واسم أبيه زائدة. وهو الذي نزل فيه قوله تعالى: "عبس وتولى، أن جاءه الأعمى". أنا ضرير أي: أعمى فلا أستطيع الجهاد. غير أولى…: قرئت "غير" بالحركات الثلاث. فالنصب على الاستثناء، والرفع على الصفة للقاعدون، والجر على الصفة للمؤمنين. سورة المائدة باب قوله: (الْيَومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) 633- عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَتِ الْيَهُودُ لِعُمَرَ: إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ آيَةً لَوْ نَزَلَتْ فِينَا لاَتَّخَذْنَاهَا عِيدًا. فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي لأَعْلَمُ حَيْثُ أُنْزِلَتْ، وَأَيْنَ أُنْزِلَتْ، وَأَيْنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أُنْزِلَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَإِنَّا وَاللَّهِ بِعَرَفَةَ. قالت اليهود: هو كعب الأحبار قبل أن يسلم ومن معه من اليهود. وكان إسلام كعب فى خلافة عمر. لاتخذناها عيدا: أي عيد كمال الدين. يعني "اليوم أكملت لكم لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا". باب (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداَ) 634- عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا خَلْفَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَذَكَرُوا وَذَكَرُوا فَقَالُوا وَقَالُوا: قَدْ أَقَادَتْ بِهَا الْخُلَفَاءُ، فَالْتَفَتَ إِلَى أَبِي قِلاَبَةَ وَهْوَ خَلْفَ ظَهْرِهِ، فَقَالَ: مَا تَقُولُ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ؟ أَوْ قَالَ: مَا تَقُولُ يَا أَبَا قِلاَبَةَ؟ قُلْتُ: مَا عَلِمْتُ نَفْسًا حَلَّ قَتْلُهَا فِي الإِسْلاَمِ إِلاَّ رَجُلٌ زَنَى بَعْدَ إِحْصَانٍ، أَوْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ، أَوْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ عَنْبَسَةُ: حَدَّثَنَا أَنَسٌ بِكَذَا وَكَذَا. قُلْتُ: إِيَّايَ حَدَّثَ أَنَسٌ قَالَ: قَدِمَ قَوْمٌ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَكَلَّمُوهُ فَقَالُوا: قَدِ اسْتَوْخَمْنَا هَذِهِ الأَرْضَ! فَقَالَ: هَذِهِ نَعَمٌ لَنَا تَخْرُجُ، فَاخْرُجُوا فِيهَا، فَاشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا. فَخَرَجُوا فِيهَا فَشَرِبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا وَاسْتَصَحُّوا، وَمَالُوا عَلَى الرَّاعِى فَقَتَلُوهُ، وَاطَّرَدُوا النَّعَمَ، فَمَا يُسْتَبْطَأُ مِنْ هَؤُلاَءِ؟! قَتَلُوا النَّفْسَ وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَخَوَّفُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! فَقُلْتُ: تَتَّهِمُنِي؟ قَالَ: حَدَّثَنَا بِهَذَا أَنَسٌ! قَالَ: وَقَالَ: يَا أَهْلَ كَذَا! إِنَّكُمْ لَنْ تَزَالُوا بِخَيْرٍ مَا أُبْقِيَ هَذَا فِيكُمْ أَوْ مِثْلُ هَذَا. أبو قلابة: هو عبد الله بن زيد. كان جالسا خلف عمر بن عبد العزيز: وكان قد أبرز سريره للناس، ثم أذن لهم فدخلوا. فذكروا وذكروا: أي ذكروا القسامة لما استشارهم عمر فيها. والقسامة: أن يحلف أولياء القتيل أن القاتل هو فلان، وذلك حين لا تقطع البينة باتهام القاتل. وكانت القسامة جاهلية فأقرها الإسلام. أقادت بها: يقال أقاد القاتل بالقتيل، إذا قتله به. عنبسة: هو عنبسة بن سعيد بن العاص. أنس: هو أنس بن مالك. ونص حديث عنبسة عن أنس ذكر في كتاب الديات: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع في السَّرَق، وسمر الأعين. ثم نبذهم فى الشمس". قدم قوم: من عكل أو عرينة، وكانوا ثمانية. وكان ذلك سنة ست. استوخمنا هذه الأرض أي: استثقلنا المدينة فلم يوافق هواؤها أبداننا. وكانوا قد مرضوا. النعم: الإبل استصحوا أي: حصلت لهم صحة البدن، وذهب عنهم الداء. ومالوا على الراعى: كان نوبيا، واسمه يسار. واطردوا النعم أي: ساقوها سوقا شديدا. وزاد بعده في كتاب الديات: "فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل في آثارهم فأدركوا، فجىء بهم فامر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم، وسمر أعينهم ثم نبذهم في الشمس حتى ماتوا". يستبطأ: استفعال من البطء، وهو نقض السرعة. فقال: سبحان الله: القائل عنبسة، متعجبا من قول أبى قلابة حيث جاء بالحديث على وجهه الصحيح. قال… وقال أي: قال أبو قلابة. وقال يا أهل كذا أي: عنبسة حينئذ. يا أهل كذا: أي يا أهل الشام، لأن وقوع هذا كان بدمشق فى أيام عمر بن عبد العزيز. أو مثل هذا: يعني أبا قلابة. باب قوله (إِنَّمَا الْخَمْرُ والَمْيسِرُ والأَنصَابُ والأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) 635- عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما – قَالَ: نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَإِنَّ فِي الْمَدِينَةِ يَوْمَئِذٍ لَخَمْسَةَ أَشْرِبَةٍ، مَا فِيهَا شَرَابُ الْعِنَبِ. وإن في المدينة يومئذ أي: قبل تحريمها. خمسة أشربة: هي شراب العسل والتمر والحنطة والشعير والذرة. 636- عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: مَا كَانَ لَنَا خَمْرٌ غَيْرُ فَضِيخِكُمْ هَذَا الَّذِي تُسَمُّونَهُ الْفَضِيخَ. فَإِنِّي لَقَائِمٌ أَسْقِى أَبَا طَلْحَةَ وَفُلاَنًا وَفُلاَنًا إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: وَهَلْ بَلَغَكُمُ الْخَبَرُ؟ فَقَالُوا: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: حُرِّمَتِ الْخَمْرُ. قَالُوا أَهْرِقْ هَذِهِ الْقِلاَلَ يَا أَنَسُ. قَالَ: فَمَا سَأَلُوا عَنْهَا وَلاَ رَاجَعُوهَا بَعْدَ خَبَرِ الرَّجُلِ. الفضيخ: من الفضخ، وهو الكسر. الفضيخ: شراب يتخذ من البسر (تمر النخل قبل أن يُرْطب) وحده من غير أن تمسه النار. أبو طلحة: هو زيد بن سهل الأنصارى. وفلانا وفلانا: هم أبو دجانة، وسهيل بن بيضاء، وأبو عبيدة، وأبى بن كعب، ومعاذ بن جبل، وأبو أيوب، كما ذكر فى مسلم. وكان تحريم الخمر سنة ثلاث من الهجرة، بعد وقعة أحد. الإهراق: الإراقة. والقلال: جمع قلة، وهي الجرة العظيمة التى لا يلقها أي: يستطيع حملها، إلا القوى من الرجال. فما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل: ويفهم منها قبول خبر الواحد. باب قوله: (لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَلَكُمْ تَسُؤْكُمْ) 637- عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه – قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خُطْبَةً مَا سَمِعْتُ مِثْلَهَا قَطُّ، قَالَ: لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا. قَالَ: فَغَطَّى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وُجُوهَهُمْ لَهُمْ خَنِينٌ، فَقَالَ رَجُلٌ: مَنْ أَبِي؟ قَالَ: فُلاَنٌ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: (لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ). لوتعلمون ما أعلم: من عظمة الله وشدة عقابه لأهل الجرائم وأهوال القيامة. الحنين: صوت مرتفع بالبكاء من الصدر. وروى: "خنين" بالخاء المعجمة، وهو صوت مرتفع بالبكاء من الأنف. فقال رجل: من أبى: القائل: هو عبد الله بن حذافة، أو قيس بن حذافة، أو خارجة بن حذافة. وكان يطعن في نسب هذا الرجل. قال: أبوك فلان: أي قال له صلى الله عليه وسلم: أبوك حذافة. سورة الأنعام باب قوله تعالى (وعَلَيَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) 638- عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ، لَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوهَا. قاتلهم الله: لعنهم، كقوله تعالى "قتل الخراصون" أي: لعن الكذابون. أو قاتلهم الله دعاء عليهم بالهلاك. حرم الله عليهم شحومها أي: حرم الله عليهم أكل شحوم البقر والغنم، إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا، وهي ما تحوى من الأعماء، أو ما اختلط بعظم كشحم الألية لأنه على العصعص. جملوها: أذابوها واستخرجوا دهنها، فباعوه ثم أكلوا ثمنه. وهذا تسجيل قديم لميل هؤلاء القوم إلى جمع المال بشتى الوسائل والأساليب. سورة الأعراف باب (خُذِ الْعَفْوَ وأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) 639- عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الْحُرِّ بْنِ قَيْسٍ، وَكَانَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ، وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجَالِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ كُهُولا كَانُوا أَوْ شُبَّانًا. فَقَالَ عُيَيْنَةُ لاِبْنِ أَخِيهِ: يَا ابْنَ أَخِي، لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الأَمِيرِ فَاسْتَأْذِنْ لِي عَلَيْهِ. قَالَ: سَأَسْتَأْذِنُ لَكَ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَاسْتَأْذَنَ الْحُرُّ لِعُيَيْنَةَ فَأَذِنَ لَهُ عُمَرُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ: هي يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، فَوَاللَّهِ مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ، وَلاَ تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ! فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ بِهِ، فَقَالَ لَهُ الْحُرُّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) وَإِنَّ هَذَا مِنَ الْجَاهِلِينَ. وَاللَّهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلاَهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ. يدنيهم أي: يقربهم؛ من الإداناء. كهول: جمع كهل، وهو الذي وخطه الشيب. وقال المبرد: هو ابنِ ثلاث وثلاثين سنة. فقال عيينة لابن أخيه: هو الحر بن قيس. الوجه: الجاه والمنزلة. وقد وَجُهَ الرجل: صار وجيها أي: ذا جاه وقدر. هي: بكسر الهاء وسكون الياء، وهي كلمة تهديد. وقيل "هي" هنا ضمير خبرها محذوف أي: هي داهية. ما تعطينا الجزل أي: لست تعطينا العطاء الكثير. ما جاوزهم عمر حين تلاها عليه أي: ما جاوز الآية المتلوة أي: لم يتعد العمل بها من الإعراض والصفح عن الجاهل، حين تلاها عليه الحر بن قيس بن حصن. وكان وقافا عند كتاب الله أي: لا يتجاوز حكم الكتاب. سورة الأنفال (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابّ عِندَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذيِنَ لا يَعْقلُونَ) 640- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ) قَالَ: هُمْ نَفَرٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ. الدواب: جمع دابة، وهي كل ما دب ومشى على وجه الأرض، مميزا كان أو غير مميز. والصم: جمع أصم، وهو الذي لا يسمع. والبكم: جمع أبكم، وهو الذي لا ينطق. بنو عبد الدار: من قريش، وكانوا يحملون اللواء يوم أحد. وهؤلاء شر الخلق. لأن كل دابة مما سواهم مطيعة لله فيما خلقت له، وهؤلاء خلقوا للعبادة فكفروا. وهذا يعم كل مشرك وإن كان السبب خاصا. باب (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ) 641- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: لَمَّا نَزَلَتْ: (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) فَكُتِبَ عَلَيْهِمْ أَنْ لاَ يَفِرَّ وَاحِدٌ مِنْ عَشَرَةٍ. ثُمَّ نَزَلَتِ: (الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمُ) الآيَةَ، فَكَتَبَ أَنْ لاَ يَفِرَّ مِائَةٌ مِنْ مِائَتَيْنِ. أي: فرض عليهم بادى الأمر أن يصمد الواحد من المسلمين للعشرة من المشركين، لا يجوز أن يفر من أمامهم، بمقتضى وعد الله لعم بالنصر إن صبروا. وقد شق ذلك على المسلمين حين فرض عليهم، فأنزل الله تخفيف ذلك بقوله: "الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين" أي: فرض الله ألا يفر رجل من رجلين، ولا مائة من مائتين، ولا قوم من مثليهم. وإذا زاد عدد الكفار عن المثلين فللمسلمين عند الضرورة أن ينصرفوا. سورة براءة باب قوله: (فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجٍزِي اللهِ) 642- عن حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه – قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ فِي مُؤَذِّنِينَ، بَعَثَهُمْ يَوْمَ النَّحْرِ يُؤَذِّنُونَ بِمني أَنْ لاَ يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلاَ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ.
قَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: ثُمَّ أَرْدَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم بِعَلِي بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِبَرَاءَةَ. تلك الحجة: هي الحجة السابقة لحجة الوداع، وكان أبو بكر أميرا عليهم. مؤذنين: من الأذان، وهو الإعلام بالشىئ. بعثهم يوم النحر: سنة تسع من الهجرة. يعلمون الناس ألا يحج بعد العام المذكور مشرك، بمقتضى قوله تعالى: "فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا". ثم أردف رسول الله صلى الله عليه وسلم أي: أردف أبا بكر. يؤذن ببراءة أي: يعلم الناس ببراءة. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعا أبا بكر فبعثه بها يقرؤها على أهل مكة، فلما بلغ ذا الحليفة قال صلى الله عليه وسلم: "لا يبلغها أي أنا أو رجل من أهل بيتي" فبعث بها مع على وذلك من أول السورة إلى منتهي بضع وثلاثين آية، عند قوله "ولو كره المشركون". والمراد ببراءة نقض العهد مع المشركين؛ لأنهم نقضوا عهودهم قبل الأجل، فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بأن من كان عهده إلى أربعة أشهر أن يقره إلى أن تنقضى أربعة أشهر. وكان قد عاهد أيضا خزاعة وبني مدلج وبني خزيمة لسنتين، فجعل الله أجلهم أربعة أشهر أيضا. ومن لم يكن له عهد خاص فرضت له الأشهر الأربعة يسيح فيها حيث يشاء. ولم يعاهد النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية أحدا من الناس. باب قوله تعالى (فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ) 643- عن زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ فَقَالَ: مَا بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ هَذِهِ الآيَةِ إِلاَّ ثَلاَثَةٌ، وَلاَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ إِلاَّ أَرْبَعَةٌ. فَقَالَ أَعْرَابِي: إِنَّكُمْ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم تُخْبِرُونَا فَلاَ نَدْرِى فَمَا بَالُ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يَبْقُرُونَ بُيُوتَنَا، وَيَسْرِقُونَ أَعْلاَقَنَا؟ قَالَ: أُولَئِكَ الْفُسَّاقُ! أَجَلْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلاَّ أَرْبَعَةٌ. أَحَدُهُمْ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَوْ شَرِبَ الْمَاءَ الْبَارِدَ لَمَا وَجَدَ بَرْدَهُ. حذيفة: هو حذيفة بن اليمان العبسى. كان أبوه قد أصاب دما فهرب إلى المدينة فحالف بني عبد الأشهل، فسماه قومه اليمان لكونه حالف اليمانية. وحذيفة هو المعروف بأنه صاحب السر أي: صاحب سر النبي صلى الله عليه وسلم، كان يسر إليه بأشياء لا يسر بها إلى غيره. اختلف في تعيين الثلاثة، ولم يوقف على أسماء الأربعة. والمفهوم من ذلك كله القلة المفرطة. يبقرون بيوتنا أي: يفتحونها أو ينقبونها. الأعلاق: جمع علق، بالكسر وهو المال النفيس. وفي راوية: "أغلاقنا" بالغين المعجمة، جمع غلق بالتحريك، وهو ما يغلق به الباب ويفتح، وهو الباب أيضا. أي يسرقون المفاتيح ويفتحون الأبواب ليسرقوا ما وراءها، أو يقلعون الأبواب ويأخذونها ليتمكنوا من الدخول إني شاءوا. أولئك الفساق أي: الفساق أي: الذين يفعلون ذلك هم الفساق لا الكفار ولا المنافقون. لما وجد برده: لذهاب شهوته وفساد معدته بسبب عقوبة الله له في الدنيا، فلا يفرق بين الأشياء. باب (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا) 644- عن كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ - وَهْوَ أَحَدُ الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ تِيبَ عَلَيْهِمْ - أَنَّهُ لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا قَطُّ غَيْرَ غَزْوَتَيْنِ غَزْوَةِ الْعُسْرَةِ وَغَزْوَةِ بَدْرٍ. قَالَ: فَأَجْمَعْتُ صِدْقَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضُحًى، وَكَانَ قَلَّمَا يَقْدَمُ مِنْ سَفَرٍ سَافَرَهُ إِلاَّ ضُحًى وَكَانَ يَبْدَأُ بِالْمَسْجِدِ، فَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ، وَنَهي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ كَلاَمِى وَكَلاَمِ صَاحِبَيَّ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْ كَلاَمِ أَحَدٍ مِنَ الْمُتَخَلِّفِينَ غَيْرِنَا، فَاجْتَنَبَ النَّاسُ كَلاَمَنَا، فَلَبِثْتُ كَذَلِكَ حَتَّى طَالَ عَلَيَّ الأَمْرُ، وَمَا مِنْ شيء أَهَمُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَمُوتَ فَلاَ يُصَلِي عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَوْ يَمُوتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَكُونَ مِنَ النَّاسِ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ، فَلاَ يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَلاَ يُصَلِي عَلَيَّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَوْبَتَنَا عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ بَقِيَ الثُّلُثُ الآخِرُ مِنَ اللَّيْلِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ، وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ مُحْسِنَةً فِي شَأْنِي مَعْنِيَّةً فِي أَمْرِى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا أُمَّ سَلَمَةَ تِيبَ عَلَى كَعْبٍ. قَالَتْ: أَفَلاَ أُرْسِلُ إِلَيْهِ فَأُبَشِّرَهُ قَالَ: إِذًا يَحْطِمَكُمُ النَّاسُ فَيَمْنَعُونَكُمُ النَّوْمَ سَائِرَ اللَّيْلَةِ. حَتَّى إِذَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلاَةَ الْفَجْرِ آذَنَ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا، وَكَانَ إِذَا اسْتَبْشَرَ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةٌ مِنَ الْقَمَرِ، وَكُنَّا أَيُّهَا الثَّلاَثَةُ الَّذِينَ خُلِّفُوا عَنِ الأَمْرِ الَّذِي قُبِلَ مِنْ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ اعْتَذَرُوا حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ لَنَا التَّوْبَةَ، فَلَمَّا ذُكِرَ الَّذِينَ كَذَبُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمُتَخَلِّفِينَ، وَاعْتَذَرُوا بِالْبَاطِلِ، ذُكِرُوا بِشَرِّ مَا ذُكِرَ بِهِ أَحَدٌ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: (يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لاَ تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ). الثلاثة: هم كعب بن مالك، وهلال بن أمية، مرارة بن الربيع، كانوا قد تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك سنة تسع، من غير ريبة ولا نفاق منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لاتكلِّمُنَّ أحدا من هؤلاء الثلاثة"، فاعتزل المسلمون كلامهم. وانظر قصة أمر الثلاثة الذين خلفوا، عند ابن هشام في السيرة، وهي قصة ممتعة. غزوة العسرة: هي غزوة تبوك فى رجب سنة تسع. وكانت في زمن إعسار من الناس، وشدة من الحر، وجدب من البلاد. وكان الرجلان في الغزوة يشقان التمر بينهما، وكانوا إذا أرادوا الماء نحروا إبلهم فشربوا عصارة ما فى كروشها، وكان الرجلان والثلاثة يعتقبون (يتناوبون) البعير الواحد. فأجمعت صدق رسول الله ضحى أي: إنه بعد أن بلغه أنه صلى الله عليه وسلم توجه قافلا من الغزو طفق يوازن بين الصدق والكذب فى إبداء عذره لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن التخلف، فأجمع أمره على التزام الصدق حينما يرجع النبي صلى الله عليه وسلم في الضحى. وكان يبدأ بالمسجد فيصلى ركعتين أي: قبل أن يدخل منزله. نهي النبي عن كلامي وكلام صاحبى: لكونهما تخلفا من غير إبداءعذر صالح. وكان صلى الله عليه وسلم قد قال لكعب بن مالك حين اعتذر: "قم حتى يقضي الله فيك". وكان المتخلفون بضعة وثمانين رجلا من المنافقين، اعتذروا وحلفوا، وقَبِل صلى الله عليه وسلم منهم علانيتهم ووكل سرائرهم إلى الله، واستغفرلهم. وقد أنزل الله توبته على الثلاثة: بعد مضى خمسين ليلة من النهي عن كلامهم. معنية في أمرى، أة ذات اعتناء. وفى رواية: "مُعِينةً". يحطمكم: من الحطم، وهو الكسر والدق والدوس. ويروى: "يخطفكم" من الخطف. وكله كناية عن الازدحام. آذن: من الإيذان، وهو الإعلام. وكنا أيها الثلاثة: بلفظ النداء، ومعناه الاختصاص. الذين خلفوا عن الأمر الذي قبل من هؤلاء أي: خلفوا عن قبول العذر فورا، لا كهؤلاء المنافقين الذين قبلت أعذارهم. يعتذرون إليكم أي: يعتذرون من التخلف حين عودة المسلمين من الغزو. لن نؤمن لكم: لن نصدقكم بعد أعذاركم الكاذبة. سورة هُود باب قوله: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) 645- عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَجُلا أَصَابَ مِنَ امْرَأَةٍ قُبْلَةً، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ: (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ). قَالَ الرَّجُلُ: أَلِي هَذِهِ؟ قَالَ: لِمَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ أمتي. أن رجلا: هو أبو اليسر كعب بن عمرو، أو نبهان التمار، أو عمرو بن غزية. أصاب امرأة: من الأنصار. فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلى الرجل مع رسول الله، فنزلت هذه الآية. وأقم الصلاة طرفى النهار: فى أحد طرفى النهار صلاة الصبح، وفي الطرف الآخر صلاتا الظهر والعصر. زلفا: جمع زلفة بالضم، وهي الطائفة من الليل. والمراد بهذا صلاة المغرب والعشاء الأخيرة. إن الحسنات يذهب السيئات أي: تكون الحسنات كفارة للسيئات، أو تعين وتوحى بترك السيئات، كما في قوله: "إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر". ألى هذا أي: كون الصلاة وفعل الحسنات يذهب السيئات خاص بى، أو هو عام للناس كلهم. لمن عمل بها من أمتي: هو نص على عموم حكم الآية. سورة إبراهيم باب قوله: (كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ) 646- عَنِ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما – قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَخْبِرُونِي بِشَجَرَةٍ تُشْبِهُ أَوْ كَالرَّجُلِ الْمُسْلِمِ لاَ يَتَحَاتُّ وَرَقُهَا وَلاَ وَلاَ وَلاَ، تُؤْتِى أُكْلَهَا كُلَّ حِينٍ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، وَرَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لاَ يَتَكَلَّمَانِ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ، فَلَمَّا لَمْ يَقُولُوا شَيْئًا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هِيَ النَّخْلَةُ.فَلَمَّا قُمْنَا قُلْتُ لِعُمَرَ يَا أَبَتَاهُ وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ وَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ فَقَالَ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَكَلَّمَ قَالَ لَمْ أَرَكُمْ تَكَلَّمُونَ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ أَوْ أَقُولَ شَيْئًا. قَالَ عُمَرُ لأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا. تشبه أي: تشبه الرجل المسلم. تحات الورق: تساقط عن غصنه. ولا تؤتى أكلها كل حين: أي ولا ينقطع ثمرها، ولا يعدم فيؤها، ولا يبطل نفعها، كما ذكر المفسرون. الأكل بضمة (أُكْل) وبضمتين (أُكُل): ثمر النخل والشجر. وكل ما يؤكل فهو أكل كذلك. كل حين أي: في كل وقت، أو كل حين وقته الله تعالى لأن تثمر فيه. والحين: الوقت. فكرهت أن أتكلم: هيبة لهما وتوقيرا. ذكروا أن الحكمة في تمثيل الإسلام بالشجرة: أن الشجرة لا تكون شجرة إلا بثلاثة أشياء عرق راسخ، وأصل قائم، وفرع عال. كذلك الإيمان لايتم إلا بثلاثة أشياء. تصديق بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالأبدان. أن تكلم أي: تتكلم، بحذف إحدى التاءين تخفيفا. أحب إلى من كذا وكذا: وقع في راوية أخرى: "أحب إلى من حمر النعم". والنعم: الإبل. وحمرها أفضلها وأكرمها على أهلها. سورة الحجر باب قوله: (الذين جعلوا القرآن عضين) 647- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) قَالَ: هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ، جَزَّءُوهُ أَجْزَاءً، فَآمَنُوا بِبَعْضِهِ وَكَفَرُوا بِبَعْضِهِ. عضين: جمع عضة على غير قياس الجمع. والعضة: الجزء، والقطعة، والفرقة. آمنوا ببعضه مما وافق التوارة، وكفروا ببعضه مما خالفها. سورة بني إسرائيل باب (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) 648- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنه – قَالَ: بَيْنَا أَنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَرْثٍ، وَهْوَ مُتَّكِئٌ عَلَى عَسِيبٍ إِذْ مَرَّ الْيَهُودُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ، فَقَالَ: مَا رَابَكُمْ إِلَيْهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ يَسْتَقْبِلُكُمْ بِشيء تَكْرَهُونَهُ فَقَالُوا: سَلُوهُ فَسَأَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ فَأَمْسَكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ شَيْئًا، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ، فَقُمْتُ مَقَامِى، فَلَمَّا نَزَلَ الْوَحْىُ قَالَ: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلا). الحرث: الزرع، وهو تسمية بالمصدر من حرث يحرث. وفي رواية أخرى: "في خَربٍ". عسيب أي: عصا من جريد النخل. والعسيب: الجريدة لا خوص عليها. الروح: الذي يحي به بدن الإنسان ويدبره. أو الروح جبريل، أو القرآن. أو عن كيفية مسلك الروح في البدن وامتزاجها به، وعن ماهيتها، وهل هي متحيزة أم لا، وقديمة هي أم حادثة، وهل تبقى بعد انفصالها من الجسد أو تفنى، وما حقيقة تعذيبها وتنعيمها؟ وكذا كل ما يتعلق بالروح من المسائل. فقال: مارابُكم إليه: أي قال بعض آخر. ما رابكم، من الريب وهو الشك. أي ماذا دفعكم إلى الريبة. ويروى: "ماأربُكم" أي ما حاجتكم. ويروى: "ما رأيكم" أي فكركم. لايستقبلكم: روى برفع الفعل على الاستئناف، وبجزمه على النهي. فقمت مقامى أي: قمت في مقامى لأحول بيه وبين السائلين. أو فقمت عن مقامى وبارحته لئلا أزعجه في تلك الحالة بقربى منه. من أمر ربى: أي مما استأثر الله بعلمه، فهو من أمره لا من أمرى أي: معرفتها ومعرفة ما يتعلق بها من شأن الله، لا من شأن غيره. إلا قليلا أي: إلا علما قليلا، أو إلا إيتاء قليلا. باب (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا) 649- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما – قَالَ: نَزَلَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُخْتَفٍ بِمَكَّةَ، كَانَ إِذَا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ فَإِذَا سَمِعَهُ الْمُشْرِكُونَ سَبُّوا الْقُرْآنَ وَمَنْ أَنْزَلَهُ، وَمَنْ جَاءَ بِهِ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم (وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ) أي بِقِرَاءَتِكَ، فَيَسْمَعَ الْمُشْرِكُونَ، فَيَسُبُّوا الْقُرْآنَ، (وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا) عَنْ أَصْحَابِكَ فَلاَ تُسْمِعُهُمْ (وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا). ورسول الله مختف بمكة: وذلك في أول الإسلام. بقراءتك أي: بقراءة صلاتك. المخافتة: خفض الصوت. وابتغ بين ذلك سبيلا أي: اطلي والتزم طريقا وسطا بين الجهر والمخافته. سورة كهيعص باب قوله: (أَفَرَءَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالا وَوَلَدَا) 650- عن خَبَّاب قَالَ: جِئْتُ الْعَاصِيَ بْنَ وَائِلٍ السَّهْمِيَّ أَتَقَاضَاهُ حَقًّا لِي عِنْدَهُ، فَقَالَ: لاَ أُعْطِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ فَقُلْتُ: لاَ حَتَّى تَمُوتَ ثُمَّ تُبْعَثَ. قَالَ: وَإِنِّي لَمَيِّتٌ ثُمَّ مَبْعُوثٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ.قَالَ: إِنَّ لِي هُنَاكَ مَالا وَوَلَدًا فَأَقْضِيكَهُ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالا وَوَلَدًا). خباب: هو خباب بن الأرت. العاصى بن وائل السهمى: هو والد عمرو بن العاص. حقا لى عنده: هو أجرة عمل سيف له، وكان خباب حدادا. حتى تموت ثم تبعث: هذا القيد غير مراد، إذ الكفر لا يتصور بعد البعث، لمعاينة الآيات الباهرة الملجئة إلى الإيمان إذ ذاك، فكأنه قال: لا أكفر أبدا. أو هو من باب مخاطبة العاصى بما يعتقد من كونه لا يقر بالبعث، فكأنه علق على محال. قال: إن لى هناك مالا وولدا فأقضيكه: في سيرة ابن هشام: " فقال له يا خباب، أليس يزعم محمد صاحبكم هذا الذي أنت على دينه، أن في الجنة ما ابتغى أهلها من ذهب أو فضة أو ثياب أو خدم؟ قال خباب: بلى. قال: فأنظرنى إلى يوم القيامة يا خباب حتى أرجع إلى تلك الدار فأقضيك هنالك حقك" يعني الدار الآخرة. لأوتين أي: لأعطين في الجنة. وولدا: المراد بالولد الأولاد. سورة طه باب قوله: (فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى) 651- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: حَاجَّ مُوسَى آدَمَ، فَقَالَ لَهُ أَنْتَ الَّذِي أَخْرَجْتَ النَّاسَ مِنَ الْجَنَّةِ بِذَنْبِكَ وَأَشْقَيْتَهُمْ. قَالَ: قَالَ آدَمُ يَا مُوسَى أَنْتَ الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلاَمِهِ أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي أَوْ قَدَّرَهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى. حاجه محاجة: نازعه الحجة. والحجة: الدليل والبرهان. أخرجت الناس بذنبك: وهو الأكل من الشجرة التى نهي عنها. برسالاته: الجمع هنا باعتبار الأنواع. وفي رواية: "برسالته". وبكلامه: إذ أن الله سبحانه كلم موسى تكليما. أتلومني على أمر كتبه الله على قبل أن يخلقنى: وذلك بأن كتبه في اللوح المحفوظ. حجه يحجه: غلبه بالحجة. سورة الحج باب: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ) 652- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ) قَالَ كَانَ الرَّجُلُ يَقْدَمُ الْمَدِينَةَ، فَإِنْ وَلَدَتِ امْرَأَتُهُ غُلاَمًا، وَنُتِجَتْ خَيْلُهُ قَالَ هَذَا دِينٌ صَالِحٌ. وَإِنْ لَمْ تَلِدِ امْرَأَتُهُ وَلَمْ تُنْتَجْ خَيْلُهُ قَالَ هَذَا دِينُ سُوءٍ. على حرف أي: على شك. وأصل الحرف طرف الشيء، أو الانحراف. وقيل معناه على طرف الدين لا فى وسطه، كالذي يكون فى طرف الجيش، فإن أحس بظفر قَرَّ، وإلا فَرَّ. المدينة: مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم. وفى رواية: "كان ناس من الأعراب يأتون النبي صلى الله عليه وسلم يسلمون". نتجت خيله: بالبناء للمجهول أي: ولدت. سورة النور باب: (وليضربن بخمرهن علي جيوبهن) 653- عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها – قَالَتْ: يَرْحَمُ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلَ، لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهِا. نساء المهاجرات: من إضافة الموصوف إلى الصفة أي: النساء المهاجرات. الأول: السابقات. الخُمُر: جمع خمار، وهو ما تغطى به المرأة رأسها. والجيب: جيب القميص والدرع، وهو ما فى طوق القميص يبدو منه بعض الجسد. ويضربن، يعني يلقين، فلذلك عداه بَعَلى. المروط: جمع مرط بالكسر، وهو الكساء من خز أو صوف أو كتان. فاختمرن بها أي: بالأرز المشقوقة. ويروى "به" أي بما شققن. والاختمار: لبس الخمار. وكن في الجاهلية يسدلن خمرهن من خلفهن فتنكشف نحورهن وقلائدهن من جيوبهن، فأمرن أن يضربنهاعلى الجيوب ليسترن أعناقهن ونحورهن، وذلك أن تضع المرأة المار على رأسها وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر. وهو التقنع. سورة الفرقان باب قوله: (الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ) 654- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه ، أَنَّ رَجُلا قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، كَيْفَ يُحْشَرُ الْكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: أليس الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى الرِجْلَيْن فِي الدُّنْيَا، قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ حكمة حشره مقلوبا على وجهه معاقبته على تركه السجود في الدنيا. إظهارا لهوانه وخساسته بحيث صار وجهه مكان يديه ورجليه. سورة الشعراء باب: (وَأَنذِرْ عَشِيرتَكَ الأَقْرَبِينَ) 655- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما – قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) صَعِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الصَّفَا فَجَعَلَ يُنَادِى يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي عَدِيٍّ. لِبُطُونِ قُرَيْشٍ حَتَّى اجْتَمَعُوا، فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولا لِيَنْظُرَ مَا هُوَ، فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ فَقَالَ أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُم ْأَنَّ خَيْلا بِالْوَادِى تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ. قَالُوا نَعَمْ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلاَّ صِدْقًا. قَالَ فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَىْ عَذَابٍ شَدِيدٍ. فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا فَنَزَلَتْ (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ) العشيرة: القبيلة، وبنو الأب الأدن. الأقربين أي: الأقرب منهم فالأقرب، لأن الاهتمام بشأنهم أولى. فقال: أرأيتكم: القائل: النبي صلى الله عليه وسلم. أرأيتكم أي: أخبرونى. والتاء في مثل هذا ملتزم فيها الفتح والإفراد، وتتى بعدها الكاف متصرفة للواحد والواحدة والمثنى والجمع بنوعيه، وهي حرف خطاب لا ضمير. أن خيلا أي: جيشا من الفرسان يركبون الخيل. تغير: من الإغارة، وهي الهجوم. النذير: المنذر. بين يديه أي: قدامه. تبالك أي: ألزمك الله تبا، وهو الهلاك والخسران. وسائر اليوم: باقيه. وفى الآية: تَّبت الأولى دعاء عليه، والثانية تكرار للدعاء، أو هو إخبار بعد الدعاء. وهذا الحديث من مراسيل الصحابة؛ لأن ابن عباس إنما أسلم بالمدينة، وهذه القصة كانت بمكة، وكان ابن عباس إما لم يولد، وإما طفلا. سورة الأحزاب باب (ادْعُوهُمْ لآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللهِ) 656- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَنَّ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا كُنَّا نَدْعُوهُ إِلاَّ زَيْدَ ابْنَ مُحَمَّدٍ حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ (ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ). كان يدعى زيد بن محمد: وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد تبناه قبل النبوة. وهو والد أسامة ابن زيد بن حارثة. وكان زيد مولى لحكيم بن حزام، اشتراه لعمته خديجة بأربعمائة درهم، فلما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبته له. ادعوهم لآبائهم أي: انسبوا هؤلاء الموالى لآبائهم الذين ولدوهم. أقسط، من القسط وهو العدل. وهذا أمر برد أنسابهم إلى آبائهم فى الحقيقة، ونسخ لما كان فى أول الإسلام من جواز ادعاء الأبناء الأجانب. باب قوله: (لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ) إلى: (إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ الله عَظِيما) 657- عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَدْخُلُ عَلَيْكَ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَلَوْ أَمَرْتَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْحِجَابِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الْحِجَابِ. الفاجر: الفاسق. أمهات المؤمنين: هن زوجاته صلى الله عليه وسلم. وآية الحجاب: هي الآية التي ورد بها هذا العنوان. 658- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه – قَالَ: لَمَّا تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَيْنَبَ ابْنَةَ جَحْشٍ دَعَا الْقَوْمَ فَطَعِمُوا ثُمَّ جَلَسُوا يَتَحَدَّثُونَ وَإِذَا هُوَ كَأَنَّهُ يَتَهَيَّأُ لِلْقِيَامِ فَلَمْ يَقُومُوا، فَلَمَّا رَأي ذَلِكَ قَامَ، فَلَمَّا قَامَ قَامَ مَنْ قَامَ، وَقَعَدَ ثَلاَثَة ُنَفَرٍ فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِيَدْخل فإذا الْقَوْمُ جُلُوسٌ ثُمَّ إِنَّهُمْ قَامُوا، فَانْطَلَقْتُ فَجِئْتُ فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُمْ قَدِ انْطَلَقُوا، فَجَاءَ حَتَّى دَخَلَ، فَذَهَبْتُ أَدْخُلُ فَأَلْقَى الْحِجَابَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ) الآيَةَ. تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش: سنة ثلاث أو خمس. ثم جلسوا يتحدثون: فأطالوا الجلوس. وإذا هو كأنه يتهيأ للقيام: وذلك ليفطنوا لمراده فيقوموا لقيامه. وكان عليه الصلاة والسلام يستحى أن يقول لهم قوموا. فجاء النبي صلى الله عليه وسلم: على زينب بنت جحش. فإذا القوم جلوس: كانوا جالسين في بيتها. فألقى الحجاب أي: الستر. سورة الزمر باب قوله: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) 659- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ كَانُوا قَدْ قَتَلُوا وَأَكْثَرُوا وَزَنَوْا وَأَكْثَرُوا، فَأَتَوْا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: إِنَّ الَّذِي تَقُولُ وَتَدْعُو إِلَيْهِ لَحَسَنٌ لَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً؟ فَنَزَلَ: (وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ) وَنَزَلَ: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ). ناس من أهل الشرك: منهم وحشي بن حرب. قتلوا وأكثروا: أي: أكثروا القتل. الذي تقول وتدعو إليه: من الإسلام والهدي النبوي. لو تخبرنا…: طلبوا أن يخبرهم بأن للذي عملوه من الكبائر كفارة. والكفارة: ما كُفِّر به من صدقة أو صوم أو نحو ذلك مما شأنه أن يكفر الخطيئة أي: يمحوها ويسترها. آية (والذين لا يدعون…) هي: الآية 68 من سورة الفرقان. أسرفوا على أنفسهم: في فعل المعاصي. والقنوط: اليأس. باب قوله (وَالأَرْضُ جَمِيعا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ والسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِيِنِه) 660- عن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: يَقْبِضُ اللَّهُ الأَرْضَ، وَيَطْوِى السَّمَوَاتِ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ مُلُوكُ الأَرْضِ؟ الطى: الإدراج كطى القرطاس، ومنه قوله تعالى: "يوم نطوى السماء كطى السجل للكتب"؛ والإفناء، تقول العرب: طويت فلانا بسيفى أي: أفنيته. ولمسلم من حديث ابن عمر مرفوعا: "يطوى الله السموات يوم القيامة ثم يأخذهم اليمني ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون أين المتكبرون. ثم يطوى الأرض بشماله ثم يقول: "أنا الملك…". أضاف طى السموات وقبضها إلى اليمين، وأضاف طى الأرض إلى الشمال تنبيها لما بين المقبوضين من التفاضل والتفاوت. سورة حم الدخان باب (فَارْتقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ) 661- عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّمَا كَانَ هَذَا لأَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا اسْتَعْصَوْا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم دَعَاعَلَيْهِمْ بِسِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ، فَأَصَابَهُمْ قَحْطٌ وَجَهْدٌ حَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنَ الْجَهْدِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِى السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ) قَالَ: فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَسْقِ اللَّهَ لِمُضَرَ، فَإِنَّهَا قَدْ هَلَكَتْ. قَالَ لِمُضَرَ إِنَّكَ لَجَرِىءٌ. فَاسْتَسْقَى فَسُقُوا. فَنَزَلَتْ (إِنَّكُمْ عَائِدُونَ) فَلَمَّا أَصَابَتْهُمُ الرَّفَاهِيَةُ عَادُوا إِلَى حَالِهِمْ حِينَ أَصَابَتْهُمُ الرَّفَاهِيَةُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) قَالَ: يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ. مسروق: مسروق بن الأجدع. قال عبد الله: عبد الله بن مسعود. سنون: جمع سنة، وهي القحط والجدب. سنو يوسف: هي السبع العجاف. فيرى… كهيئة الدخان: وذلك لضعف بصره من الجوع، أو لأن الهواء يظلم عام القحط لقلة الأمطار وانتشار الغبار. فأتى رسول الله: الآتى هو أبو سفيان بن حرب، وكان كبير مضر في ذلك الوقت. استسق لمضر أي: اطلب لهم السقيا من الله فإنهم قد هلكوا من القحط والجدب، وإنما قال "لمضر" لأن غالبهم كان بالقرب من مياه الحجاز، وكان الدعاء بالقحط على قريش –وهم سكان مكة- فسرى القحط إلى من حولهم. قال: لمضر أي: أتأمرنى أن أستسقى لمضر مع ماهم عليه من معصية الله والإشراك به. إنك لجرئ: خطاب لأبى سفيان أي: إنك لذو جراءة حيث تشرك بالله وتطلب الرحمة منه. إنكم عائدون: راجعون إلى الكفر بعد أن يكشف عنكم هذا العذاب. الرفاهية: التوسع والراحة. عادوا إلى حالهم: من الشرك والكفر بالله. سورة محمد صلى الله عليه وسلم باب
(وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) 662- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَامَتِ الرَّحِمُ فَأَخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ لَهَا: مَهْ. قَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ. قَالَ أَلاَ تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ. قَالَ: فَذَاكِ لَكِ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَءُوا إِنْ شئتم (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ). فلما فرغ منه: من إتمامه وإكماله. الحقو: بفتح الحاء ويكسر: الخاصرة، والإزار، ومعقد الإزار. ومن عادة المستجير أن يأخذ بذيل المستجار به أو بطرف ردائه أو إزاره، وربما أخذ بحقو إزاره مبالغة في الاستجارة. والكلام كله استعارة وتمثيل لتعظيم شأن الرحم وفضيلة وصلها، وبيان إثم قطعها. فقال له مه أي: للرحم. والمراد لشخص الرحم، وإلا فالرحم مؤنثة. وقد جاءت "له" محذوفة في بعض النسخ. مه: اسم فعل أي: اكفف وانزجر. وقال ابن مالك: هي ما الاستفهامية حذفت ألفها ووقف عليها بهاء السكت. والأكثر ألا يفعل ذلك بها إلا وهي مجرورة. فإن كان المراد الزجر فهو واضح، وإن كان الاستفهام فالمراد منه إظهار الحاجة دون الاستعلام؛ فإنه تعالى يعلم السر وأخفى. هذا مقام العائذ بك من القطيعة أي: قيامي هذا قيام المستجير بك من قطيعة الناس لى. أصل من وصلك: بتعطفى عليه ورحمتى له لطفا وفضلا، واقطع من قطعك: فلا أرحمه ولايناله تعطف مني. بلى يارب أي: رضيت بما تفضلت به على. قال: فذاك أي: فذاك لك. وقد وردت "لك" في بعض الروايات. فهل عسيتم: فهل يتوقع منكم. توليتم أي: توليتم أحكام الناس وكنتم أمراء عليهم. أو معناه أعرضتم عن القرآن وفارقتم أحكامه. أن تفسدوا في الأرض: بالعصيان والبغى وسفك الدماء. سورة الفتح باب قوله (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحا مُّبِينا) 663- عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَسِيرُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسِيرُ مَعَهُ لَيْلا، فَسَأَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَنْ شيء، فَلَمْ يُجِبْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فُلَمْ يُجِبْهُ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ثَكِلَتْ أُمُّ عُمَرَ، نَزَرْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، كُلَّ ذَلِكَ لاَ يُجِيبُكَ. قَالَ عُمَرُ فَحَرَّكْتُ بَعِيرِى، ثُمَّ تَقَدَّمْتُ أَمَامَ النَّاسِ، وَخَشِيتُ أَنْ يُنْزَلَ فِيَّ الْقُرْآنُ، فَمَا نَشِبْتُ أَنْ سَمِعْتُ صَارِخًا يَصْرُخُ بِي فَقُلْتُ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ فِيَّ قُرْآنٌ. فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ! ثُمَّ قَرَأَ: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا). زيد بن أسلم: أبو أسلم مولى عمر، اشتراه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فى بعض أسفاره: هو سفر الحديبية. فلم يجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان ذلك لاشتغاله بالوحى. ثم سأله: يحتمل أن يكون كرر السؤال لم قد يكون وقر في نفسه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسمعه. قال عمر: ثكلت أم عمر: دعا على نفسه أن تثكله أمه أي: تفقده بموته، وذلك بسبب ما وقع منه من الإلحاح. نزرت أي: ألححت عليه، أو راجعته، أو أتيته بما يكره من السؤال. ما نشبت: مالبثت. سورة الحجرات باب (لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوقَ صَوْتِ النَّبِيِّ) 664- عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: كَادَ الْخَيِّرَانِ أَنْ يَهْلِكَا - أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ - رضي الله عنهما - رَفَعَا أَصْوَاتَهُمَا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ رَكْبُ بَنِي تَمِيمٍ، فَأَشَارَ أَحَدُهُمَا بِالأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ أَخِي بَنِي مُجَاشِعٍ، وَأَشَارَ الآخَرُ بِرَجُلٍ آخَرَ - قَالَ نَافِعٌ لاَ أَحْفَظُ اسْمَهُ- فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: مَا أَرَدْتَ إِلاَّ خِلاَفِي. قَالَ: مَا أَرَدْتُ خِلاَفَكَ. فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فِي ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ) الآيَةَ. ابن أبى مليكة: هو عبد الله بن أبى مليكة. الخيِّر: الذي يفعل الخير كثيرا. أبا بكر وعمر: أي أعنى بكر وعمر. وفى رواية: "أبو بكر وعمر". حين قدم عليه ركب بني تميم: وذلك سنة تسع، سألوا حينئذ النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤمر عليهم أحدا. فأشار أحدهما: هو عمر بن الخطاب. وأشار الآخر رجل آخر: هو القعقاع بن معبد بن زرارة. ما أردت إلا خلافى: وفى رواية: " ما أردت إلى خلافى". فيكون استفهاما.
سورة والنجم 665- عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها: يَا أُمَّتَاهْ هَلْ رَأي مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم رَبَّهُ؟ فَقَالَتْ: لَقَدْ قَفَّ شَعَرِى مِمَّا قُلْتَ، أَيْنَ أَنْتَ مِنْ ثَلاَثٍ مَنْ حَدَّثَكَهُنَّ فَقَدْ كَذَبَ، مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم رَأي رَبَّهُ فَقَدْ كَذَبَ! ثُمَّ قَرَأَتْ: (لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَيُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ). (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ فَقَدْ كَذَبَ! ثُمَّ قَرَأَتْ: (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا) وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ كَتَمَ فَقَدْ كَذَبَ ثُمَّ قَرَأَتْ: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) الآيَةَ، وَلَكِنَّهُ رَأي جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي صُورَتِهِ مَرَّتَيْنِ. مسروق: مسروق بن الأجدع الهمداني. أُمَّتاه: الأُمَّة: الأم. وقد قلبت ياء المتكلم ألفا وزيدت هاء السكت. هل رأي ربه أي: ليلة الإسراء. قف: قام من الفزع. ومن حدثكَ أنه يعلم… أي: أن محمدا صلى الله عليه وسلم. ومن حدثك أنه كتم: تعنى كتمان شيء مما أقر بتبليغه للناس ولكنه رأي جبريل مرتين: مرة بالأرض في الأفق العلى، ومرة في السماء عند سدرة المنتهي. سورة الحشر باب قوله: (وَيُؤْثِرونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ) 666- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه – قَالَ: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَابَنِي الْجَهْدُ، فَأَرْسَلَ إِلَى نِسَائِهِ، فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُنَّ شَيْئًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَلاَ رَجُلٌ يُضَيِّفُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ يَرْحَمُهُ اللَّهُ. فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ لاِمْرَأَتِهِ: ضَيْفُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ تَدَّخِرِيهِ شَيْئًا. قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا عِنْدِى إِلاَّ قُوتُ الصِّبْيَةِ. قَالَ: فَإِذَا أَرَادَ الصِّبْيَةُ الْعَشَاءَ فَنَوِّمِيهِمْ، وَتَعَالَيْ، فَأَطْفِئِي السِّرَاجَ، وَنَطْوِي بُطُونَنَا اللَّيْلَةَ. فَفَعَلَتْ ثُمَّ غَدَا الرَّجُلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَقَدْ عَجِبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ - أَوْ ضَحِكَ - مِنْ فُلاَنٍ وَفُلاَنَةَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ). قال: أتى رجل: هو أبو هريرة نفسه. الجهد: المشقة والجوع. فقام رجل من الأنصار: هو أبو طلحة الأنصارى. فقال لامرأته: هي أم سليم. لا تدخريه شيئا أي: لا تمسكي عنه شيئا من الطعام. الصبية: جمع صبى. فنوميهم: وذلك لكيلا يأكلوا. آثر بذلك ضيفه على هؤلاء الصبية؛ ولأن الصبيان مظنة ادعاء الجوع من غير جوع. نطوي بطوننا: كناية عن الجوع؛ لأن الجوع يطوى جلد البطن. أو ضحك: الشك من الراوى. من فلان وفلانة: أبى طلحة، وأم سليم. الخصاصة: الحاجة والفقر وسوء الحال. سورة نوح باب: (وَدًّا وَلا سُوَاعا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ) 667- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: صَارَتِ الأَوْثَانُ الَّتِي كَانَتْ فِي قَوْمِ نُوحٍ فِي الْعَرَبِ بَعْدُ، أَمَّا وَدٌّ كَانَتْ لِكَلْبٍ بِدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ، وَأَمَّا سُوَاعٌ كَانَتْ لِهُذَيْلٍ، وَأَمَّا يَغُوثُ فَكَانَتْ لِمُرَادٍ ثُمَّ لِبَنِي غُطَيْفٍ بِالْجُرُفِ عِنْدَ سَبَا، وَأَمَّا يَعُوقُ فَكَانَتْ لِهَمْدَانَ، وَأَمَّا نَسْرٌ فَكَانَتْ لِحِمْيَرَ، لآلِ ذِى الْكَلاَعِ. أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ أَنِ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا، وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ، فَفَعَلُوا، فَلَمْ تُعْبَدْ حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَتَنَسَّخَ الْعِلْمُ عُبِدَتْ. كلب: هم كلب بن وبرة، من قضاعة. دُومة الجندل: بفتح الدال وضمها: مدينة من الشام مما يلى العراق. هذيل: هذيل بن مدركَة بن إلياس، وكانوا بقرب مكة. وقد وردت "كانت" في هذا الموضع وسابقه، بإجماع نسخ الصحيح، بسقوط الفاء في الجواب، وهو مذهب جائز في العربية. والتأنيث باعتبار الصخرة التى صنع منها الوثن، او الصورة التى صيغ عليها. مراد: قبيلة من اليمن. غطيف: بالتصغير: بطن من مراد، وهم بنو غطيف بن عبد الله ابن ناجية بن مراد. الجرف: بضم الجيم والراء. ويروى: "بالجوف". سبأ: هي مدينة بلقيس باليمن. ذو الكلاع: ملك من ملوك اليمن، وهو بفتح الكاف. فلما هلكوا أي: الرجال الصالحون. أنصاب: جمع نصب وهو ما نصب لغرض كالتمجيد والعبادة. تنسَّخ العلم: تغير. أي زالت المعرفة بحالها وأصلها الذي كانت عليه. سورة قل أوحيَ إليَّ 668- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: انْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الشُّهُبُ فَرَجَعَتِ الشَّيَاطِينُ، فَقَالُوا: مَا لَكُمْ؟ فَقَالُوا: حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ. قَالَ: مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلاَّ مَا حَدَثَ، فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا فَانْظُرُوا مَا هَذَا الأَمْرُ الَّذِي حَدَثَ. فَانْطَلَقُوا فَضَرَبُوا مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا يَنْظُرُونَمَا هَذَا الأَمْرُ الَّذِي حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ. قَالَ فَانْطَلَقَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِنَخْلَةَ، وَهْوَ عَامِدٌ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَهْوَ يُصَلِي بِأَصْحَابِهِ صَلاَةَ الْفَجْرِ، فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ تَسَمَّعُوا لَهُ فَقَالُوا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ. فَهُنَالِكَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِى إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ، وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا. وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ) وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ قَوْلُ الْجِنِّ. عامدين أي: قاصدين. عكاظ: بضم العين، مصروف وغير مصروف، وهو موسم معروف للعرب من أعظم مواسمهم، وهو نخل في واد بين مكة والطائف، كانوا يقيمون به شوّالا كله، يتبايعون ويتفاخرون ويتناشدون الأشعار. وكان ذلك فى أول الإسلام حين هاجر هربا من أذى المشركين ملتمسا النصرة من ثقيف والمنعة بهم من قومه، ولدعوتهم إلى الدين. الشهب: جمع شهاب، وهو الكوكب الذي ينقض بالليل. قال: ما حال بينكم…: القائل أحد الشياطين أو زعيمهم إبليس. ما حال… إلا ما حدث: يعني أن هناك حادثا دينيا خطيرا، من بعثة رسول أو ظهور نبى، وهو وقت تحرس فيه السماء فتمنه الشياطين من التسمع. فانطلق الذين توجهوا أي: الشياطين. نخلة: موضع على ليلة من مكة. قرآنا عجبا: يتعجب منه في فصاحة لفظه وكثرة معانيه. الرشد: هو الإيمان والصواب والهدى. النفر: ما بين الثلاثة إلى العشرة. وإنما أوحى إليه قول الجن: أي أوحى إليه قولهم "إنا سمعنا" ولم يوح إليه من قبل أنهم سيستمعون. سورة القيامة
باب: (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) 669- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا نَزَلَ جِبْرِيلُ بِالْوَحْيِ، وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَهُ وَشَفَتَيْهِ، فَيَشْتَدُّ عَلَيْهِ وَكَانَ يُعْرَفُ مِنْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ الآيَةَ الَّتِي فِي (لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ) (لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) قَالَ: عَلَيْنَا أَنْ نَجْمَعَهُ فِي صَدْرِكَ، وَقُرْآنَهُ: (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) فَإِذَا أَنْزَلْنَاهُ فَاسْتَمِعْ (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) عَلَيْنَا أَنْ نُبَيِّنَهُ بِلِسَانِكَ، قَالَ: فَكَانَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ أَطْرَقَ، فَإِذَا ذَهَبَ قَرَأَهُ كَمَا وَعَدَهُ اللَّهُ. فيشتد عليه أي: يشتد عليه حال نزول الوحى، لثقله: "إنا سنلقى عليك قولا ثقيلا". وكان يعرف منه: ذلك الاشتداد حالة نزول الوحى عليه. عن ابن أبى عائشة كان إذا نزل عليه عرف فى تحريكه شفتيه، يتلقى أوله ويحرك به شفتيه خشية أن ينسى أوله قبل أن يفرغ من آخره. وقرآنه أي: أن تقرأه أنت. فإذا قرأناه: قرأناه عليك بلسان جبريل عليه السلام. أطرق أي: سكت.
سورة (قُلْ
أَعُوذُ بِرًبِ النَّاسِ) 670- عَنْ زِرٍّ قَالَ: سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ قُلْتُ: يَا أَبَا الْمُنْذِرِ إِنَّ أَخَاكَ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ أُبَيٌ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لِي قِيلَ لِي. فَقُلْتُ: قَالَ: فَنَحْنُ نَقُولُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. زر: هو زر بن حبيش. أُبيّ بن كعب: أحد الصحابة القراء، وكان يكنى أبا المنذر. إن أخاك ابن مسعود: يعني أخاه في الدين. يقول كذا وكذا: يريد أن عبد الله بن مسعود يقول إن المعوذتين ليستا من القرآن. قيل لى فقلت أي: قل لى بلسان جبريل فقلت كما قيل لى. وكان الخلاف في قرآنية المعوذتين غابرا، ثم ارتفع ووقع الإجماع عليه. قال: فنحن نقول قال رسول الله أي: قال أبى بن كعب. |