ألف باء الإسلام: صفحة البداية→ الأعلى

السيرة النبوية: *تهذيب سيرة ابن هشام

الحديث الشريف: *الألف المختارة من صحيح البخاري القرآن الكريم:  *المعجم الوجيز *التفسير الميسر

رسائل إحياء العقل المسلم

توعية

حملة اعرف دينك

تعليم

رسالة البعث رسالة الوعي رسالة العلم

رسالة الإيمان

للمبتدئين:  *ألف باء الإسلام  *تجويد القرآن *المصحف المعلم

*القرآن: من المتكلم؟ *فريضة على كل مسلم *غارة على عقل المسلم  *كيف نحيا مسلمين؟

للمثقفين: *علم نفسك الإسلام (عقيدة - أصول - عبادات - سلوك - معاملات سيرة)

القرآن معجزة الإسلام

هداية

للباحثين عن الحق

تعريف

البرهان في إعجاز القرآن: *الإعجاز البياني *السماء والأرض *علوم الحياة *متنوعات

برنامج هذا ديننا:

مختارات: *وجادلهم بالتي هي أحسن *القرآن والعلم الحديث *القرآن معجزة المعجزات

*الإسلام في سطور *لماذا نؤمن؟ *دعوة كل الأنبياء *كيف تدخل في الإسلام؟

الحياة السياسية في الْمَدِينَةِ

الخطب والعهود بالْمَدِينَةِ:

وكانت (أول خطبة) خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني عن أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - نعوذ بالله أن نقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل- أنه قام فيهم، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: ((أَمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا النَّاسُ فَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ، تَعْلَمُنَّ وَاَللّهِ لَيُصْعَقَنَّ أَحَدُكُمْ ثُمَّ لَيَدَعَنَّ غَنَمَهُ لَيْسَ لَهَا رَاعٍ. ثُمَّ لَيَقُولَنَّ لَهُ رَبُّهُ وَلَيْسَ لَهُ تُرْجُمَانٌ وَلَا حَاجِبٌ يَحْجُبُهُ دُونَهُ:  أَلَمْ يَأْتِك رَسُولِي فَبَلَّغَكَ، وَآتَيْتُكَ مَالًا وَأُفْضِلْ عَلَيْك ؟ فَمَا قَدّمْتَ لِنَفْسِكَ ؟ فَلَيَنْظُرَنَّ يَمِينًا وَشِمَالًا فَلَا يَرَى شَيْئًا، ثُمَّ لَيَنْظُرَنَّ قُدَّامَهُ فَلَا يَرَى غَيْرَ جَهَنَّمَ فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَقِيَ وَجْهَهُ مِنَ النَّارِ وَلَوْ بِشِقٍّ ([1]) مِنْ تَمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةِ طَيِّبَةٍ، فَإِنَّ بِهَا تُجْزَى الْحَسَنَةُ عَشْرَ أَمْثَالِهَا، إلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَالسّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ ))([2]).

ثم خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس مرة أخرى فقال: ((إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ أَحْمَدُهُ وَأَسْتَعِينُهُ، نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَسَيّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.

 إنَّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَيَّنَهُ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ وَأَدْخَلَهُ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْكُفْرِ وَاخْتَارَهُ عَلَى مَا سِوَاهُ مِنْ أَحَادِيثِ النَّاسِ إنَّهُ أَحْسَنُ الْحَدِيثِ وَأَبْلَغُهُ، أَحِبُّوا مَا أَحَبَّ اللّهُ أَحِبُّوا اللّهَ مِنْ كُلِّ قُلُوبِكُمْ وَلَا تَمَلُّوا كَلَامَ اللّهِ وَذِكْرَهُ، وَلَا تَقْسُ عَنْهُ قُلُوبُكُمْ فَإِنّهُ مِنْ كُلِّ مَا يَخْلُقُ اللّهُ يَخْتَارُ وَيَصْطَفِي، قَدْ سَمَّاهُ اللّهُ خِيرَتَهُ مِنَ الْأَعْمَالِ ([3]) وَمُصْطَفَاهُ مِنَ الْعِبَادِ ([4]) الصَّالِحَ الْحَدِيثَ وَمِنْ كُلِّ مَا أُوتِيَ النّاسُ مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، فَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَاتَّقُوهُ حَقَّ تُقَاتِهِ، وَاصْدُقُوا اللَّهَ صَالِحَ مَا تَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ وَتَحَابُّوا بِرُوحِ اللَّهِ بَيْنَكُمْ، إنَّ اللّهَ يَغْضَبُ أَنْ يُنْكَثَ عَهْدُهُ، وَالسّلَامُ عَلَيْكُمْ )).([5])

وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابًا بين المهاجرين والأنصار، وادع فيه يهود، وعاهدهم، وأقرهم على دينهم وأموالهم، وشرط لهم واشترط عليهم:

 ((بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ. هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ النبي صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ قُرَيْشٍ وَيَثْرِبَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ فَلَحِقَ بِهِمْ وَجَاهَدَ مَعَهُمْ: إنَّهُمْ أُمّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ دُونِ النَّاسِ الْمُهَاجِرُونَ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى رِبْعَتِهِمْ ([6]) يَتَعَاقَلُونَ بَيْنَهُمْ ([7]) وَهُمْ يَفْدُونَ عَانِيهمْ ([8]) بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَبَنُو عَوْفٍ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمُ الْأُولَى، كُلُّ طَائِفَةٍ تَفْدِي عَانِيهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَبَنُو سَاعِدَةَ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمُ الْأُولَى، وَكُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ نَفْدِي عَانِيهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وبنو الْحَارِثِ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمُ الْأُولَى، وَكُلُّ طَائِفَةٍ تَفْدِي عَانِيهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَبَنُو جُشَمٍ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمُ الْأُولَى، وَكُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ تَفْدِي عَانِيهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ،  وَبَنُو النَّجَّارِ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمُ الْأُولَى، وَكُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ تَفْدِي عَانِيهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَبَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمُ الْأُولَى، وَكُلُّ طَائِفَةٍ تَفْدِي عَانِيهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ،  وَبَنُو النبي صلى الله عليه وسلم عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمُ الْأُولَى، وَكُلُّ طَائِفَةٍ تَفْدِي عَانِيهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَبَنُو الْأَوْسِ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمُ الْأُولَى، وَكُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ تَفْدِي عَانِيهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ،  وَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَتْرُكُونَ مُفْرَحًا ([9]) بَيْنَهُمْ أَنْ يُعْطُوهُ بِالْمَعْرُوفِ فِي فِدَاءٍ أَوْ عَقْلٍ ([10]).

وَأَنْ لَا يُحَالِفَ مُؤْمِنٌ مَوْلَى مُؤْمِنٍ دُونَهُ،  وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ عَلَى مَنْ بَغَى مِنْهُمْ أَوِ ابْتَغَى دَسِيعَةَ ([11]) ظُلْمٍ أَوْ إثْمٍ أَوْ عُدْوَانٍ، أَوْ فَسَادٍ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ،  وَأَنَّ أَيْدِيَهُمْ عَلَيْهِ جَمِيعًا، وَلَوْ كَانَ وَلَدَ أَحَدِهِمْ،  وَلَا يَقْتُلُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنًا فِي كَافِرٍ وَلَا يَنْصُرُ كَافِرًا عَلَى مُؤْمِنٍ،  وَإِنَّ ذِمَّةَ اللَّهِ وَاحِدَةٌ يُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَدْنَاهُمْ ([12])، وَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضُهُمْ مَوَالِي بَعْضٍ دُونَ النَّاسِ،  وَإِنّهُ مَنْ تَبِعَنَا مِنْ يَهُودَ فَإِنَّ لَهُ النَّصْرَ وَالْأُسْوَةَ غَيْرَ مَظْلُومِينَ وَلَا مُتَنَاصِرِينَ عَلَيْهِمْ،  وَإِنَّ سِلْمَ الْمُؤْمِنِينَ وَاحِدَةٌ لَا يُسَالَمُ مُؤْمِنٌ دُونَ مُؤْمِنٍ فِي قِتَالٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلَّا عَلَى سَوَاءٍ وَعَدْلٍ بَيْنَهُمْ،  وَإِنَّ كُلَّ غَازِيَةٍ غَزَتْ مَعَنَا يَعْقُبُ ([13]) بَعْضُهَا بَعْضًا، وَإِنّ الْمُؤْمِنِينَ يُبِيءُ ([14]) بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِمَا نَالَ دِمَاءَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ،  وَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ عَلَى أَحْسَنِ هَدْيٍ وَأَقْوَمِهِ.

 وَإِنّهُ لَا يُجِيرُ مُشْرِكٌ مَالًا لِقُرَيْشِ وَلَا نَفْسًا، وَلَا يَحُولُ دُونَهُ عَلَى مُؤْمِنٍ وَإِنّهُ مَنِ اعْتَبَطَ ([15]) مُؤْمِنًا قَتْلًا عَنْ بَيِّنَةٍ فَإِنَّهُ قُوِّدَ بِهِ إلَّا أَنْ يَرْضَى وَلِيُّ الْمَقْتُولِ،  وَإِنّ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ كَافَّةً وَلَا يَحِلُّ لَهُمْ إلّا قِيَامٌ عَلَيْهِ،  وَإِنّهُ لَا يَحِلُّ لِمُؤْمِنِ أَقَرَّ بِمَا فِي هَذِهِ الصّحِيفَةِ وَآمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَنْصُرَ مُحْدِثًا ([16]) وَلَا يُؤْوِيهِ،  وَأَنّهُ مَنْ نَصَرَهُ أَوْ آوَاهُ فَإِنَّ عَلَيْهِ لَعْنَةَ اللَّهِ وَغَضَبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ صَرْفٌ ([17]) وَلَا عَدْلٌ ([18]).

وَإِنَّكُمْ مَهْمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ مَرَدَّهُ إلَى اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.

وَإِنَّ الْيَهُودَ يُنْفِقُونَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ مَا دَامُوا مُحَارَبِينَ،  وَإِنَّ يَهُودَ بَنِي عَوْفٍ أُمّةٌ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ لِلْيَهُودِ دِينُهُمْ وَلِلْمُسْلِمِينَ دِينُهُمْ مَوَالِيهمْ وَأَنْفُسُهُمْ إلَّا مَنْ ظَلَمَ وَأَثِمَ فَإِنّهُ لَا يُوتِغُ ([19]) إلَّا نَفْسَهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ وَإِنَّ لِيَهُودِ بَنِي النَّجَّارِ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ،  وَإِنَّ لِيَهُودِ بَنِي الْحَارِثِ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ،  وَإِنَّ لِيَهُودِ بَنِي سَاعِدَةَ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ،  وَإِنَّ لِيَهُودِ بَنِي جُشَمٍ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍِ وَإِنَّ لِيَهُودِ بَنِي الْأَوْسِ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ،  وَإِنَّ لِيَهُودِ بَنِي ثَعْلَبَةَ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ إلَّا مَنْ ظَلَمَ وَأَثِمَ فَإِنّهُ لَا يُوتِغُ إلّا نَفْسَهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ،  وَإِنَّ جَفْنَةَ بَطْنٍ مِنْ ثَعْلَبَةَ كَأَنْفُسِهِمْ وَإِنَّ لِبَنِي الشَّطَيْبَةِ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ،  وَإِنَّ الْبِرَّ دُونَ الْإِثْمِ ([20])، وَإِنَّ مَوَالِيَ ثَعْلَبَةَ كَأَنْفُسِهِمْ،  وَإِنَّ بِطَانَةَ يَهُودَ كَأَنْفُسِهِمْ،  وَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ إلَّا بِإِذْنِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَإِنَّهُ لَا يَنْحَجِزُ ([21]) عَلَى ثَأْرِ جُرْحٍ،  وَإِنَّهُ مَنْ فَتَكَ فَبِنَفْسِهِ فَتَكَ وَأَهْلِ بَيْتِهِ إلّا مَنْ ظَلَمَ،  وَإِنَّ اللّهَ عَلَى أَبَرِّ هَذَا ([22] وَإِنَّ عَلَى الْيَهُودِ نَفَقَتَهُمْ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ نَفَقَتَهُمْ،  وَإِنَّ بَيْنَهُمُ النّصْرَ عَلَى مَنْ حَارَبَ أَهْلَ هَذِهِ الصّحِيفَةِ،  وَإِنَّ بَيْنَهُمُ النّصْحَ وَالنّصِيحَةَ وَالْبِرَّ دُونَ الْإِثْمِ،  وَإِنّهُ لَمْ يَأْثَمِ امْرِئِ بِحَلِيفِهِ وَإِنّ النّصْرَ لِلْمَظْلُومِ وَإِنّ الْيَهُودَ يُنْفِقُونَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ مَا دَامُوا مُحَارِبِينَ ([23])، وَإِنَّ يَثْرِبَ حَرَامٌ جَوْفُهَا لِأَهْلِ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ،  وَإِنَّ الْجَارَ كَالنَّفْسِ غَيْرُ مُضَارٍ وَلَا آثِمٌ وَإِنّهُ لَا يُجَارُ حُرْمَةٌ ([24]) إلَّا بِإِذْنِ أَهْلِهَا، وَإِنَّهُ مَا كَانَ بَيْنَ أَهْلِ هَذِهِ الصّحِيفَةِ مِنْ حَدَثٍ أَوِ اشْتِجَارٍ يُخَافُ فَسَادُهُ فَإِنَّ مَرَدَّهُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِلَى مُحَمَّدٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى أَتْقَى مَا فِي هَذِهِ الصّحِيفَةِ وَأَبَرِّهِ،  وَإِنَّهُ لَا تُجَارُ قُرَيْشٌ وَلَا مَنْ نَصَرَهَا، وَإِنَّ بَيْنَهُمُ النّصْرَ عَلَى مَنْ دَهَمَ يَثْرِبَ، وَإِذَا دُعُوا إلَى صُلْحٍ يُصَالِحُونَهُ وَيَلْبَسُونَهُ ([25]) فَإِنَّهُمْ يُصْلِحُونَهُ وَيَلْبَسُونَهُ،  وَإِنَّهُمْ إذَا دُعُوا إلَى مِثْلِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَهُمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إلَّا مَنْ حَارَبَ فِي الدِّينِ،  عَلَى كُلِّ أُنَاسٍ حِصَّتُهُمْ مِنْ جَانِبِهِمُ الَّذِي قَبْلَهُمْ،  وَإِنَّ يَهُودَ الْأَوْسِ مَوَالِيهمْ وَأَنْفُسُهُمْ عَلَى مِثْلِ مَا لِأَهْلِ هَذِهِ الصّحِيفَةِ،  مَعَ الْبِرِّ الْمَحْضِ ([26]) مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ. وإَنَّ الْبِرَّ دُونَ الْإِثْمِ لَا يَكْسِبُ كَاسِبٌ إلَّا عَلَى نَفْسِهِ،  وَإِنَّ اللّهَ عَلَى أَصْدَقِ مَا فِي هَذِهِ الصّحِيفَةِ وَأَبَرّهِِ،  وَإِنَّهُ لَا يَحُولُ هَذَا الْكِتَابُ دُونَ ظَالِمٍ وَآثِمٍ،  وَإِنّهُ مَنْ خَرَجَ آمِنٌ وَمَنْ قَعَدَ آمِنٌ بِالْمَدِينَةِ إلّاَ مَنْ ظَلَمَ أَوْ أَثِمَِ وَإِنَّ اللّهَ جَارٌ لِمَنْ بَرَّ وَاتّقَى، وَمُحَمَّدٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم )).

 أخرجه الترمذي(167) من طريق سعيد عن أبي هريرة بهذا اللفظ، وكذا أخرجه البخاري(3214) ولكن لم يذكر فيه. شق: نصف، أو جزء. أخرجه هناد في الزهد(1/279) . أي: الذكر وتلاوة القرآن؛ لقوله تعالى: ﴿يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص: الآية 68]. أي: وسمي المصطفى من عباده. أخرج أحمد (14471)، شطره الأول من حديث جابر بن عبد الله . الربعة: الحال التي وجدهم عليها الإسلام. أي: يعقل بعضهم عن بعض. والعقل: الدية. العاني: الأسير. المفرح: المثقل بالدين والكثير العيال. عقل: عقل القتيل، وداه فعقل ديته بالعقل في فناء ورثته، وكانت في الجاهلية من الإبل. الدسيعة: العظيمة. أدناهم: أقربهم. يعقب: يخلف. أباءه به: قتله به. جعله بواء له. اعتبطه: قتله بلا جناية توجب القتل. محدثًا: أي: جانيا، آواه وأجاره وحال بينه وبين أن يقتص منه. صرف: توبة. عدل: فداء. يوتغ: يهلك. أي: أن البر والوفاء ينبغي أن يكون حاجزًا عن الإثم. ينحجز: يمتنع. أي: إن الله وحزبه المؤمنين على الرضا به. كان هذا قبل أن تفرض الجزية وحين كان الإسلام ضعيفًا. كان لليهود إذ ذاك نصيب في المغنم إذا قاتلوا مع المسلمين شرط عليهم في هذا الكتاب النفقة معهم في الحروب. لا تجار: أجاره، حماه وأنقذه. يلبسونه: يقبلونه. محض: خالص لم تشبه شائبة.

المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار:

قال ابْنُ إِسْحَاقَ: وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار، فقال، فيما بلغنا، ونعوذ بالله أن نقول عليه ما لم يقل: $(تَآخَوْا فِي اللَّهِ أَخَوَيْنِ أَخَوَيْنِ))([27]). ثم أخذ بيد عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فقال: ((هَذَا أَخِي)). فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين وإمام المتقين، ورسول رب العالمين، الذي ليس له خطير ([28]) ولا نظير من العباد وعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ- رضي الله عنه- أخوين. وكان حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ أسد الله وأسد رسوله  e  وعم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخوين، وإليه أوصى حَمْزَةُ يوم أحد حين حضره القتال إن حدث به حادث الموت. وَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ذو الجناحين، الطيار في الجنة، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ أخو بَنِي سَلَمَةَ أخوين. وكان أَبُو بَكْرٍ الصديق- رضي الله عنه- ابن أبي قُحَافَةَ وَخَارِجَةُ بْنُ زُهَيْرٍ أخوين. وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ- رضي الله عنه- وَعِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ أخوين. وَأَبُو عبيدةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ أخوين. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَسَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ أخوين. وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَسَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ أخوين. وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَأَوْسُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ أخوين. وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ، وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أخوين. وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ أخوين. وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمٍ، وَأَبُو أَيُّوبَ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ أخوين. وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنُ رَبِيعَةَ وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ أخوين. وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ أخوين. وَأَبُو ذَرٍّ الْغِفَارِيُّ وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو أخوين. وكان حَاطِبُ بْنُ أَبِي بُلْتُعَةَ وَعُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ أخوين. وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ أخوين. وَبِلَالٌ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ وَأَبُو رُوَيْحَةَ أخوين. فهؤلاء من سمي لنا، ممن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بينهم من أصحابه.

عزاه صاحب كنز العمال(9/20/24689) أخرجه الحسن بن سفيان وأبو نعيم في المعرفة عن عبد الرحمن بن عويم بن ساعدة  خطير: مثيل في الشرف والرفعة.

خبر الأذان:

فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ، واجتمع إليه إخوانه من المهاجرين، واجتمع أمر الأنصار، استحكم أمر الإسلام، فقامت الصلاة، وفرضت الزكاة والصيام، وقامت الحدود، وفرض الحلال والحرام، وتبوأ ([29]) الإسلام بين أظهرهم. وكان هذا الحي من الأنصار هم الذين تبوءوا الدار والإيمان. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدمها إنما يجتمع الناس إليه للصلاة لحين مواقيتها بغير دعوة، فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدمها أن يجعل بوقًا كبوق يهود الذي يدعون به لصلاتهم، ثم كرهه. ثم أمر بالناقوس فنحت ليضرب به للمسلمين للصلاة. فبينما هم على ذلك إذ رأى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ أخو بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ النداء ([30])، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنه طاف بي هذه الليلة طائف ([31]): مر بي رجل عليه ثوبان أخضران، يحمل ناقوسًا في يده فقلت له: يا عَبْدَ اللَّهِ، أتبيع هذا الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ قلت: ندعو به إلى الصلاة، قال: (( أفلا أدلك على خير من ذلك؟ )) قلت: وما هو؟ قال: تقول: ((اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللّهُ أَكْبَرُ اللّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم،  أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمّدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم،  حَيَّ عَلَى الصّلَاةِ حَيَّ عَلَى الصّلَاةِ،  حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ،  حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ،  اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ،  لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ )).

فلما أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٍّ إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِهَا عَلَيْهِ فَلْيُؤَذِّنْ بِهَا، فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ )) ([32]) فلما أذن بها بِلَال سمعها عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وهو في بيته، فخرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يجر رداءه، وهو يقول: يا نبي الله، والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي رأى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( فلله الحمد على ذلك )).([33])

  تبوأ المكان: نزله وأقام به. النداء: الأذان. طائف: حلم. أي: أعلى وأرفع وأبعد مذهبًا. أخرجه الدارمي(1187)، وابن خزيمة(370).

ذكر من اعتل من أصحاب رسول الله e  :

عن عَائِشَةَ- رضي الله عنها- قالت: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ قدمها وهي أوبأ أرض الله من الحمى، فأصاب أصحابه منها بلاء وسقم، فصرف الله تعالى ذلك عن نبيه   . فكان أَبُو بَكْرٍ، وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَبِلَالٌ موليا أَبِي بَكْرٍ، مع أَبِي بَكْرٍ في بيت واحد، فأصابتهم الحمى، فدخلت عليهم أعودهم، وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب. وبهم ما لا يعلمه إلا الله من شدة الوعك ([34])، فدنوت من أَبِي بَكْرٍ فقلت له: كيف تجدك يا أبت؟ فقال:

كُـلُّ امْـرِئٍ مُـصَـبَّـحٌ فِـي أَهْـلِـهِ

وَالْـمَـوْتُ أَدْنَـى مِـنْ شِـرَاكِ نَـعْـلِـهِ ([35])

فقلت: والله ما يدري أبي ما يقول:

ثم دنوت إلى عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ فقلت له: كيف تجدك يا عامر؟ قال:

لَـقَـدْ وَجَـدْتُ الْـمَـوْتَ قَـبْـلَ ذَوْقِـهِ

إِنَّ الْـجْـبْـانَ حَـتْـفُـهُ مِـن فَـوْقِـهِ

كُـلُّ امْـرِئٍ مُـجَـاهِـدٌ بِـطَـوْقِـهِ ([36])

كَـالـثَّـوْرِ يَـحْـمِـي جِـلْـدَهُ بِـرَوْقِـهِ ([37])

فقلت: والله ما يدري عامر ما يقول!. وكان بِلَالٌ إذا تركته الحمى اضطجع بفناء البيت ثم رفع عقيرته ([38]) فقال:

أَلَا لَـيْتَ شِـعْـرِي هَـلْ أَبِيـتَنَّ لَـيْـلَةً

بِـفَـخٍّ وَحَـوْلِـي إِذْخِـرٌ وَجَـلِـيـلُ ([39])

وَهَـلْ أَرِدَنَّ يَـوْمًـًا مِـيَـاهَ مَـجِـنَّـةٍ

وَهَـلْ يَـْبدُونَ لِـي شَـامَةٌ وَطُـفَـيْـلُ([40])

فذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما سمعت منهم فقلت: إنهم ليهذون وما يعقلون من شدة الحمى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللّهَُمَّ حَبِّبْ إلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَمَا حَبَّبْتَ إلَيْنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدَّهَا وَصَاعِهَا ([41])، وَانْقُلْ وَبَاءَهَا إلَى مَهْيَعَةَ)) ([42])([43]).

الوعك: شدة ألم المرض. شراك النعل: سيره على ظهر القدم. الطوق: الطاقة. الروق: القرن. أي: رفع صوته. فخ: موضع خارج مكة. الإذخر: نبت طيب الرائحة. والجليل: الثمام. مجنة: اسم سوق للعرب في الجاهلية كانت بأسفل مكة على قدر بريد منها. وشامة وطفيل: جبلان بمكة. أي: ما يكال بالمد والصاع. المد يعادل لترًا ونصفًا. والصاع: أربعة أمداد عند الحجازيين. مهيعة: هي الجحفة، وهي ميقات أهل الشام. أخرجه البخاري(1790،5330)

تاريخ الهجرة:

قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ يوم الاثنين، حين اشتد الضحاء وكادت الشمس تعتدل، لثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ابن ثلاث وخمسين سنة، وذلك بعد أن بعثه الله عز وجل بثلاث عشرة سنة، فأقام بها بقية شهر ربيع الأول وشهر ربيع الآخر، وجُمادَيَيْن، ورجبًا، وشعبان، وشهر رَمَضَانَ، وشوالًا، وذا القعدة، وذا الحجة، والمحرم.