|
القـــــــــرآن والعلم الحديث تقديم 1 2 3 4 5 6 7 8(8) تلخيص السِّمَات التي تؤكد أن القرآن الكريم وحي من عند الله:
وألخص فيما يلي السمات التي تؤكد أن القرآن الكريم وحى من الله تعالى : شروط صدق الوحي : متى يصح أن يكون النص الديني وحيًا من الله تعالى ؟ أي : ما الذي يثبت صدق تنزيل كتاب كالقرآن من الله الخالق ؟ وما هي المعايير التي تميز كلام الله عن كلام البشر ؟ عقليًا تتلخص هذه المعايير في الآتي : (1) المنطقية : فقد أنعم الله علينا بنعمة العقل ، والحكمة التي نميز بها بين ما هو معقول ، وبين ما يتعارض مع مبادئ المنطق ، ولا يصدر عن الله تعالى إلا الكلام المعقول الذي يتقبله كل عقل سليم مجرد عن الهوى(40) .
(3) العقلانية : فلا يمكن لوحي الله أن تشوبه الخرافات والأساطير التي لا تليق بعظمة الله ، أو تنحط بعقل الإنسان(42) .
(4) العلمية : لما كان الله هو الخالق العليم فلابد للوحي أن يكون قبسًا من علم الله ، وأن لا يناقض العلم والمعارف الصحيحة الثابتة، في أي زمان ومكان(43) .
(5) علم الغيب : استأثر الله وحده بعلم الماضي والحاضر والمستقبل معًا ؛ لذا فكل ما جاء به من أنباء الماضي ونبوءات المستقبل لابد أن يثبت صدقها(44) .
(6) استحالة التقليد : الوحى الصادق من الله تعالى لا يحاكيه بل ولا يدانيه كلام بشر ، وهو معجزة حية باقية ، وكتاب مفتوح لكل البشر يقرءونه ، ويمحصون صدقه على امتداد الزمان والمكان(45) .
|
(46)
)سَبِّحِ
اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى *
الَّذِي خَلَقَ
فَسَوَّى *
وَالَّذِي
قَدَّرَ فَهَدَى(
[الأعلى : 1-3]. |
(2) الإنسان : الإنسان مخلوق فريد بين سائر الكائنات الأرضية ؛ جعله الله خليفة له في هذا الكوكب الأرضي ، واستخلفه على سائر الأحياء ، وكرمه بملكة العقل والحكمة التي يسمو بها على سائر الأحياء(47) .
(47) )وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَة( [البقرة : 30] . |
يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم : "لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها" (48) .
(48) ذكر المؤلف ما ترجمته الحرفية : "ما خلق الله تعالى شيئا أفضل من الحكمة ، ولا أكمل ولا أجمل من الحكمة"؛ ولم نعثر على تخريج لحديث كهذا، فلعله يقصد ما بيناه من صحيح البخاري، وأخرجه أيضًا مسلم والنسائي وابن ماجة (المترجم) . |
وإلى جانب هذه الملكات التي يميز بها الإنسان بين الطيب والخبيث ، وبين النافع والضار، وبين الخير والشر ، وهب الله الإنسان نعمة الحرية ليختار بنفسه إما : طريقًا في الحياة يليق بخلافته لله في الأرض ، أو دَرْكًا ينحط به إلى ما دون سائر الحيوانات والمخلوقات .
لقد ولد الإنسان بريئًا طاهرًا من كل خطيئة موروثة ، وله مطلق الحرية أن يرتفع بالفضائل ، أو ينغمس في الرذائل .
(3) الهدي الإلهي : لفرط رحمة الله بعبده الإنسان وحبه الخير له ، لم يتركه تائهًا في دروب الحياة باحثًا عن الحقيقة، وحيدًا متجشمًا عناء التجربة المريرة ، والخطأ المتكرر ، بل وهبه - إلى جانب العقل والحكمة - الرسالات الهادية عن طريق الرسل والأنبياء، لتحدد له معالم الحق ، وحقائق الوجود في هذه الحياة الدنيا وما بعدها(49) .
(49) )وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوت( [النحل : 36] . |
(4) الوحي : منذ فجر التاريخ أرسل الله رسله وأنبياءه بالوحي الإلهي(50) ، داعين إلى طريق الامتثال والطاعة لله الواحد الأحد ، وذلك جوهر الإسلام ، تلك الرسالة الواحدة التي حملها كافة الأنبياء إلى البشر جيلاً بعد جيل ، وبمضي الوقت تعرضت كل الرسالات السابقة لتحريف البشر أو الضياع ، فاختلط الوحي الإلهي بالخرافات والأساطير ، وعبادة الأوثان ، وشــطحات الفلاسفة ؛ حتى ضـاع دين الله بين ركام التصورات والمعتقدات ، فما كان تاريخ البشرية إلا دورات صعود وهبوط بين النور والظلام ، وبين الهدى والضلال ، لولا أن الله - لرحمته بالبشر - لم يتركهم بلا معين يتجدد لينقذهم من دياجير الظلام !
(50) )وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيم( [الشورى : 51] . |
(5) خاتم الرسالات : وعندما وصل البشر إلى أسفل عهود الجاهلية والظلام ، أرسل الله خاتم المرسلين سيدنا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - لينقذ البشرية من جديد ، إلا أن الرسالة هذه المرة كانت تمامًا لكل ما نزل قبلها ، ونبراسًا باقيًا للهدى إلى يوم الدين(51) .
(51) وقد كان! والتحقيق العملي لهذه النبوءة أيضا من إعجاز القرآن القائل : )مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رَّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّين( [الأحزاب : 40] . |
والآن رسالة إلى عزيزي القارئ !
في البدء نقول :
§ لا يجبرك أحد على اعتناق مالا تفهمه وتقتنع به !
§ ولكن العار - كل العار - على إنسان مثقف مثلك أن تحرم نفسك من مجرد المحاولة للبحث عن الحقيقة !
§ لقد أنعم الله علينا بنعمة العقل ؛ حتى نستخدمه في التفكير والتأمل ؛ لنحكم على الأشياء حكمًا موضوعيًا منظمًا !
§ وأنا لا ألح عليك أن تتعجلَ قبولَ مبادئ الإسلام ؛ فالإسلام نفسه يقرر حرية الفكر والاختيار(52) .
(52) قال تعالى : ) لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيّ..( [البقرة : 256] . |
§ وليس هذا فحسب بل إنك إن اهتديت فعلاً إلى صدق رسالة الإسلام، لا يعني ذلك أن يُكرِِهَك أحد مباشرة على اعتناقك إياه ، والعمل بما جاء فيه .
§ ولكني أنصحك - قبل الحكم على مدى صدق رسالة الإسلام - أن تسأل ضميرك : هل تعرف عن الإسلام قدرًا كافيًا يسمح لك بالحكم الموضوعى عليه؟
§ وهل تلقيت مفاهيمك ومعلوماتك تلك عن مصادر يعتد بها ؟ أم ركنت إلى ما يقوله ويكتبه غير المسلمين ، أو المتظاهرون بالإسلام ، والجهلاء بدينهم من المسلمين ، وكثير من هؤلاء لم يدرسوا القرآن حق دراسته ، ولم يقرءوا في الإسلام إلا قشورًا وادعاءات ؛ ثم يتباهون بأنهم رسل التنوير والعقلانية ، والفهم الصحيح لجوهر الدين (دون البحث في نصوصه) .
§ هل من العدل أن تحكم على مذاق طعام دون أن تتذوقه بنفسك ؛ بل وتهضمه جيدًا لتعرف قدره ونفعه ؟ أم تركن إلى رأي غيرك وذوقه ؟
§ إن لك - عزيزي القارئ - أن تختار المنهج الذي يتفق مع احترامك لعقلك حتى تصل إلى الحق !
§ وأيًا مّا كان منهجك ، وأيًّا مَّا كانت نتيجة بحثك ، فإنني أكرر ثانية أن الإسلام يؤكد تمامًا حريتك في استخدام ملكاتك الخاصة في التفكير واتخاذ القرار ، ولكل إنسان إرادته المستقلة التي لا يحق لأحد الاعتداء عليها ولا إكراهه على قبول دين أو العمل به . عليك أن تفكر وتقرر بنفسك .
وختامًا أتمنى لك - عزيزي القارئ - رحلة طيبة للبحث عن الحقيقة !
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .