|
وجادلهم
بالتي هي أحسن:
تقديم
الكتاب 8/1 معيار إرمياء
جاء في إرمياء (28/
9) :
ونحن نعرف أن كلمة "إسلام" مشتقة من "السلام" : السلام بين المرء وخالقه، وبين الله وكل المخلوقات. والسلام دعوة الإسلام, وهو من أسماء الله الحسنى, وذلك نقيض ما جاء في إنجيل لوقا على لسان المسيح عليه السلام: (أَتَظُنَّونَ أَنِّي جِئْتُ لأُرسِيَ السَّلاَمَ عَلَى الأرْضِ؟ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ، بَلْ بِالأَحْرَى الانْقِسَامَ: فَإِنَّهُ مُنْذُ الآنَ يَكُونُ فِي الْبَيْتِ الْوَاحِدِ خَمْسَةٌ فَيَنْقَسِمُونَ: ثَلاَثَةٌ عَلَى اثْنَيْنِ، وَاثْنَانِ عَلَى ثَلاَثَةٍ، فَالآبُ يَنْقَسِمُ عَلَى ابْنِهِ، وَالابْنُ عَلَى أَبِيهِ، وَالأُمُّ عَلَى بِنْتِهَا، وَالْبِنْتُ عَلَى أُمِّهَا، وَالْحَمَاةُ عَلَى كَنَّتِهَا، وَالْكَنَّةُ عَلَى حَمَاتِهَا) [لوقا 12/ 51-53]. وانظر أيضا (متى 10/ 34-36) : (اَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُرْسِيَ سَلاماً عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُرْسِيَ سَلاَماً، بَلْ سَيْفاً. فَإِنِّي جِئْتُ لأَجْعَلَ الإِنْسَانَ عَلَى خِلاَفٍ مَعَ أَبِيهِ، وَالْبِنْتَ مَعَ أُمِّهَا، وَالْكَنَّةَ مَعَ حَمَاتِهَا. وَهَكَذَا يَصِيرُ أَعْدَاءَ الإِنْسَانِ أَهْلُ بَيْتِهِ) [متى 10/ 34-36]. 8/2 حتى يأتي "شيلوه" عندما حضر يعقوب الموت أوصى بنيه كما جاء في سفر التكوين (49/ 1، 10): (ثُمَّ اسْتَدْعَى يَعْقُوبُ أَبْنَاءَهُ وَقَالَ: «الْتَفُّوا حَوْلِي لأُنْبِئَكُمْ بِمَا سَيَحْدُثُ لَكُمْ فِي الأَيَّامِ الْمُقْبِلَةِ «) [تكوين 49/ 1]. ثم : (لاَ يَزُولُ صَوْلَجَانُ الْمُلْكِ مِنْ يَهُوذَا وَلاَ مُشْتَرِعٌ مِنْ صُلْبِهِ حَتَّى يَأْتِيَ شِيلُوهُ (وَمَعْنَاهُ: مَنْ لَهُ الأَمْرُ) فَتُطِيعُهُ الشُّعُوبُ) [تكوين 49/ 10]. وتتفق هذه العبارة مع ما جاء في القرآن الكريم:
)َ
أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا
تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ ءَابَائِكَ
إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ
مُسْلِمُونَ ( وكلمة "شيلوه" العبرية معناها السلام والاطمئنان, ولكنها هنا تشير إلى شخص يلتف حول الناس, وربما كانت تحريفا لكلمة "شالواه (إلوهيم)" العبرية التي تعني رسول (من الله).
ومعنى العبارة (في تكوين
49/
10)
أن سلسلة النبوة في آل يعقوب (بني إسرائيل) ستنقطع عندما يأتي "شيلوه" ويؤكد ذلك ما
أنذر به أرمياء في نبوءته:
وهو عين ما أشار إليه المسيح في إنجيل متى: (لِذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَلَكُوتَ اللهِ سَيُنْزَعُ مِنْ أَيْدِيكُمْ وَيُسَلَّمُ إِلَى شَعْبٍ يُؤَدِّي ثَمَرَهُ (متى 21/43) [متى 21/ 43]. 8/3 بكة هي مكة مكة المكرمة هي الموضع الذي عينه الله لإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام لبناء بيته الحرام, والعرب تنطق مكة: "مكة" أو "بكة" لهجتان لقبائل العرب, وقد ورد اللفظ بصيغتين في القرآن الكريم :
)َ
وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ
مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا
تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (
(الفتح24), وستندهش عندما تقرأ اسم "بكة" على لسان داود عليه السلام في المزامير: (عابرين في وادي البكاء (بكة) يصيرونه ينبوعا) [مزمور 84/ 6]. وستزداد دهشة إذا علمت أن البئر المشار إليه في المزمور هو عينه بئر زمزم التي فجرها الله تعالى في هذا الوادي القاحل لتظل حتى يومنا هذا تروى الحجيج من ملايين المسلمين الوافدين للحج والعمرة إلى البيت الذي اختاره الله ليكون قبلة المصلين وملتقى المؤمنين إلى يوم الدين. 8/4 بيت المجد جاء في نبوة أشعياء (160/ 1-7، 11): (1) (قُومِي اسْتَضِيئِي، فَإِنَّ نُورَكِ قَدْ جَاءَ، وَمَجْدَ الرَّبِّ أَشْرَقَ عَلَيْكِ) [أشعياء 60/ 1], وانظر كيف تضاهي هذه العبارة قوله تعالى في القرآن الكريم: )َ يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ(1)قُمْ فَأَنْذِرْ(2)وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ( (المدثر 1-3) (2) (هَا إِنَّ الظُّلْمَةَ تَغْمُرُ الأَرْضَ، وَاللَّيْلَ الدَّامِسَ يَكْتَنِفُ الشُّعُوبَ، وَلَكِنَّ الرَّبَّ يُشْرِقُ عَلَيْكِ، وَيَتَجَلَّى مَجْدُهُ حَوْلَكِ) [أشعياء 60/ 2]. وحقا كانت بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم حين ساد الظلام العالم كله, بعد أن غابت دعوة التوحيد الذي نادى به كل الأنبياء قبله; ابتداء من إبراهيم إلى عيسى عليهم السلام. (3) (فَتُقْبِلُ الأُمَمُ إِلَى نُورِكِ، وَتَتَوَافَدُ الْمُلُوكُ إِلَى إِشْرَاقِ ضِيَائِكِ) [أشعياء 60/3]. وقد فتح الله بالإسلام كل أنحاء الأرض, ودخل فيه الناس أفواجا, ومازال حتى اليوم أسرع العقائد انتشارا; رغم كل ما حورب ويحارب به. (4) (تَأَمَّلِي حَوْلَكِ وَانْظُرِي، فَهَا هُمْ جَمِيعاً قَدِ اجْتَمَعُوا، وَأَتَوْا إِلَيْكِ. يَجِيءُ أَبْنَاؤُكِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ، وَتُحْمَلُ بَنَاتُكِ عَلَى الأَذْرُعِ) [أشعياء 60/ 4]. وقد كان: ففي أقل من ثلاثة وعشرين عاما توحدت قبائل الجزيرة العربية كلها تحت لواء الإسلام, بعد أن كانت قَبْلُ قبائل متناحرة. (5) (عِنْدَئِذٍ تَنْظُرِينَ وَتَتَهَلَّلِينَ، وَتَطْغَى الإِثَارَةُ عَلَى قَلْبِكِ، وَتَمْتَلِئِينَ فَرَحاً لأَنَّ ثَرْوَاتِ الْبَحْرِ تَتَحَوَّلُ إِلَيْكِ وَغِنَى الأُمَمِ يَتَدَفَّقُ عَلَيْكِ) [أشعياء 60/ 5]. وخلال قرن من الزمان اتسعت أمة الوحدة الإسلامية حتى صارت في أوجها أوسع دولة عرفها التاريخ حتى اليوم. (6) (تَكْتَظُّ أَرْضُكِ بِكَثْرَةِ الإِبِلِ. مِنْ أَرْضِ مِدْيَانَ وَعِيفَةَ تَغْشَاكِ بُكْرَانٌ، تَتَقَاطَرُ إِلَيْكِ مِنْ شَبَا مُحَمَّلَةً بِالذَّهَبِ وَاللُّبَانِ وَتُذِيعُ تَسْبِيحَ الرَّبِّ) [أشعياء 60/6]. وهذه تنطبق على وفود الحجاج على مدار التاريخ إلى مكة للحج, وما يصحبه من التجارة وتبادل المنافع (والعمرة على مدار السنة). (7) (جَمِيعُ قُطْعَانِ قِيدَارَ تَجْتَمِعُ إِلَيْكِ، وَكِبَاشُ نَبَايُوتَ تَخْدُمُكِ، تُقَدِّمُ قَرَابِينَ مَقْبُولَةً عَلَى مَذْبَحِي، وَأُمَجِّدُ بَيْتِي الْبَهِيَّ ) [أشعياء 60/ 7]. وقبائل قيدار التي تجمعت وتوحدت هي قبائل العرب من نسل قيدار ولد إسماعيل (وانظر ما ذكرته من قبل عن نسل إسماعيل في الفصل الأول). أما بيت المجد المشار إليه فالثابت من السياق أنه بيت الله الحرام في مكة - مستقر أبناء قيدار وإسماعيل (وليس كنيسة المسيح كما يظن بعض مفسري الكتاب المقدس). (8) (تَنْفَتِحُ أَبْوَابُكِ دَائِماً وَلاَ تُوْصَدُ لَيْلَ نَهَارَ، لِيَحْمِلَ إِلَيْكِ النَّاسُ ثَرْوَةَ الأُمَمِ، وَفِي مَوْكِبٍ يُسَاقُ إِلَيْكِ مُلُوكُهُمْ) [أشعياء 60/ 11]. ومن المعروف أن بيت الله الحرام أكبر بيوت الله على وجه الأرض - لا ولَمْ يُوصًدْ ليلاً ولا نهاراً على مدار التاريخ منذ طهره محمد صلى الله عليه وسلم من الأوثان ليصبح قبلة وملاذا لكل مؤمن; حاكما أو محكوما . 8/5 راكبو الحمير وراكبو الجمال تأمل نبوءة أشعياء التي ذكر فيها: (وَعِنْدَمَا يُشَاهِدُ رَاكِبِينَ فُرْسَاناً أَزْوَاجاً أَزْوَاجاً، أَوْ رَاكِبِينَ عَلَى حَمِيرٍ، وَرَاكِبِينَ عَلَى جِمَالٍ، فَلْيُصْغِ إِصْغَاءً شَدِيداً (أشعياء 21/7) [أشعياء 21/7]. من هو راكب الحمار? إن أي تلميذ في مدارس الأحد يعرف أنه يسوع: (وَوَجَدَ يَسُوعُ جَحْشاً فَرَكِبَ عَلَيْهِ، كَمَا قَدْ كُتِبَ) [يوحنا 12/ 14]. فمن إذن راكب الجمل الموعود? الذي تجاهله مفسرو الكتاب المقدس? إنه محمد صلى الله عليه وسلم, الذي لم يأت من تنطبق عليه تلك النبوءة غيره. ويؤكد ذلك ما ذكره أشعياء صراحة في نفس الإصحاح عن "نبوءة بشأن جزيرة العرب" :
(نُبُوءَةٌ
بِشَأْنِ شِبْهِ الْجَزِيرَةِ الْعَرَبِيَّةِ: سَتَبِيتِينَ فِي صَحَارِي بِلاَدِ
الْعَرَبِ يَا قَوَافِلَ الدَّدَانِيِّينَ)
ثم تمضي نبوءة أشعياء : (فَاحْمِلَوا يَا أَهْلَ تَيْمَاءَ الْمَاءَ لِلْعَطْشَانِ، وَاسْتَقْبِلُوا الْهَارِبِينَ بِالْخُبْزِ) [أشعياء 21/ 14], لتشير الي أهل تيماء الذين آووا النبي وصحبه من المهاجرين وآخى كل واحد منهم وافدا من المهاجرين وشاركه الطعام والشراب, وهو ما كان من الأنصار بالمدينة المنورة, التي كان اسمها قبل الهجرة "يثرب" و"طَيْبَة" (لاحظ الشبه باسم تَيْماء). وقد أشارت نبوءة أشعياء إلى هذه الهجرة؛ التي أذن الله بها عندما أعلم الله رسوله بما أجمع عليه الكفار أن يضربوه بسيوفهم ضربة رجل واحد فيتفرق دمه في القبائل (كما جاء في السيرة النبوية), فتأمل عبارة أشعياء (21/ 15): (لأَنَّهُمْ قَدْ فَرُّوا مِنَ السَّيْفِ الْمَسْلُولِ، وَالْقَوْسِ الْمُتَوَتِّرِ، وَمِنْ وَطِيسِ الْمَعْرَكَةِ)[أشعياء 21/ 15]. ثم تواصل نبوءة أشعياء سردها :
(لأَنَّهُ
هَذَا مَا قَالَهُ لِي الرَّبُّ: فِي غُضُونِ سَنَةٍ مَمَاثِلَةٍ لِسَنَةِ
الأَجِيرِ يَفْنَى كُلُّ مَجْدِ قِيدَارَ)
(وَهَذِهِ أَسْمَاءُ أَبْنَاءِ إسماعيل مَدَوَّنَةً حَسَبَ تَرْتِيبِ وِلاَدَتِهِمْ: نَبَايُوتُ بِكْرُ إسماعيل، وَقِيدَارُ وَأَدَبْئِيلُ وَمِبْسَامُ) [تكوين 25/ 13]. كما يؤكد هذه الحقيقة (أن العرب هم المشار إليهم بأهل قيدار في الكتاب المقدس) ما جاء أيضا بسِفْر حزقيال: (وَتَاجَرَ مَعَكِ الْعَرَبُ وَكُلُّ رُؤَسَاءِ قِيدَارَ، فَقَايَضُوا بَضَائِعَكِ بِالْخِرْفَانِ وَالْكِبَاشِ وَالأَعْتِدَةِ) [حزقيال 27/ 21].
|