|
وجادلهم
بالتي هي أحسن:
تقديم
الكتاب 8/6 نبيا مثل موسى وعد الله موسي طبقا لسفر التثنية بمجيء النبي محمد صلى الله عليه وسلم, الذي حدده تحديدا بعبارة :
(لِهَذَا
أُقِيمُ لَهُمْ نَبِيّاً مِنْ بَيْنِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلَكَ، وَأَضَعُ كَلاَمِي فِي
فَمِهِ، فَيُخَاطِبُهُمْ بِكُلِّ مَا آمُرُهُ بِهِ
) [تثنية 18/18], ولا ينطبق ذلك التحديد إلا عليه صلي الله عليه وسلم لما يلي: § فموسى ومحمد وُلِدا من أب وأم, بلا معجزة, خلافا لعيسى. § وكلاهما تزوج وأنجب ذرية, خلافا لعيسى. § وكلاهما مات ودفن ميتة بصورة طبيعية, خلافا لعيسى الذي توفاه الله ورفعه إليه ولم يشهد أحد موته.
§
وكلاهما حاربه أعداؤه
وطاردوه بجيوشهم, خلافا لعيسي. § وكلاهما تلقي وحيا دونت نصوصه في حياتهما (قبل أن تحرف التوراة), بينما لم يبدأ تدوين شيء من تعاليم عيسى إلا بعد رحيله. § وكلاهما كانت رسالته شريعة عملية متكاملة خلافا لعيسى الذي كانت رسالته روحية وخلقية فحسب. § وكلاهما كان قائدا لأتباعه الذين التفوا حوله, خلافا لعيسى الذي انفض من حوله معظم قومه بني إسرائيل.
3-
"وأضع كلامي في فمه": إشارة إلى الوحي الذي نزل به جبريل من الله تعالى طوال ثلاثة
وعشرين عاما, وهو النبي الأمي الأمين الذي بَلَّغ
كل حرف منه كما سمعه, ويتطابق الوصف مع قوله تعالى في سورة القيامة : (فَيَكُونُ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَعْصَى كَلاَمِي الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِهِ بِاسْمِي، فَأَنَا أُحَاسِبُهُ ) [تثنية 18/ 19] !! 8/7 عبدي المختار وفي إشارة أوضح لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم تقول نبوءة أشعياء (42): (1) (هُوَذَا عَبْدِي الَّذِي أَعْضُدُهُ، مُخْتَارِي الَّذِي ابْتَهَجَتْ بِهِ نَفْسِي. وَضَعْتُ رُوحِي عَلَيْهِ لِيَسُوسَ الأُمَمَ بِالْعَدْلِ) [أشعياء 42/1]. ولا ريب أن كل الأنبياء عباد مرسلون اختارهم الله تعالى لهداية أقوامهم, إلا أن كلمة عبدي ورسولي المختار (أي المصطفى) هي الأسماء التي يطلقها الإسلام خاصة على محمد صلى الله عليه وسلم, فالشهادتان أولى أركان الإسلام : "أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله", يرددها المسلم في كل صلاة ضمن التشهد في كل صلاة من الصلوات الخمس اليومية; وغيرها من صلوات النوافل والتطوع, وعبارة: "أشهد أن محمدا رسول الله " تدوي في الأذان من فوق المنائر وقبل إقامة الصلاة في كل مسجد على امتداد المعمورة طوال الأربع والعشرين ساعة. (2-3) (لاَ يَصِيحُ وَلاَ يَصْرُخُ وَلاَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ فِي الطَّرِيقِ. لاَ يَكْسِرُ قَصَبَةً مَرْضُوضَةً، وَفَتِيلَةً مُدَخِّنَةً لاَ يُطْفِيءُ. إِنَّمَا بِأَمَانَةٍ يُجْرِي عَدْلاً) [أشعياء 42/ 2-3]. وهذا وصف دقيق لما عرف به من سيرته صلى الله عليه وسلم. (4) (لاَ يَكِلُّ وَلاَ تُثَبَّطُ لَهُ هِمَّةٌ حَتَّى يُرَسِّخَ الْعَدْلَ فِي الأَرْضِ، وَتَنْتَظِرُ الْجَزَائِرُ شَرِيعَتَهُ) [أشعياء 42/ 4]. وهوالذي كانت حياته جهادا في معارك متصلة بأمر الله وإذنه, ولم يكلّ يوما أو يفتّ في عضده عداوة العرب ولا كيد اليهود, وما كان ذلك شأن عيسى. (6) («أَنَا هُوَ الرَّبُّ قَدْ دَعَوْتُكَ بِالْبِرِّ. أَمْسَكْتُ بِيَدِكَ وَحَافَظْتُ عَلَيْكَ وَجَعَلْتُكَ عَهْداً لِلشَّعْبِ وَنُوراً لِلأُمَمِ» ) [أشعياء 6/42], والمقصود بعبارة "وجعلتك عهدا للشعب ونورا للأمم" أن الله لن يرسل رسولاً بعده فستدخل كل الأمم تباعا في دين الله, وقد كان. (7) (لِتَفْتَحَ عُيُونَ الْعُمْيِ، وَتُطْلِقَ سَرَاحَ الْمَأْسُورِينَ فِي السِّجْنِ، وَتُحَرِّرَ الْجَالِسِينَ فِي ظُلْمَةِ الْحَبْسِ. ) [أشعياء 42/ 7]. فالعيون العمي وحياة الظلام : إشارة إلى "الجاهلية" العمياء التي لم يسبق لها مثيل, والتي أزاحها نور الإسلام, وعبارة "تحرر الجالسين في ظلمة الحبس": إشارة إلى تحرير الأرقاء; الذي حققته شريعة الإسلام بما تضمنته من نظام المكاتبة ومن كفارات الذنوب بفك الرقاب, وبفضل ذلك اختفى الرق عمليا من العالم الإسلامي (حتى آعاده الاستعمار بصور شتى في العصر الحديث). (8) (أَنَا هُوَ الرَّبُّ وَهَذَا اسْمِي. لاَ أُعْطِي مَجْدِي لآخَرَ، وَلاَ حَمْدِي لِلْمَنْحُوتَاتِ) [أشعياء 42/8]. وهذا ما تحقق للنبي محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين, والنبي الأوحد الذي ظلت رسالته وما أنزله الله عليه في القرآن بلا تحريف ولا تبديل, خلافا لرسالة موسى وعيسى (وانظر الفصل الثاني). (10) (غَنُّوا لِلرَّبِّ أُغْنِيَةً جَدِيدَةً، سَبِّحُوهُ مِنْ أَقَاصِي الأَرْضِ أَيُّهَا الْمُسَافِرُونَ فِي عُبَابِ الْبَحْرِ وَكُلُّ مَا فِيهِ وَيَاسُكَّانَ الْجَزَائِرِ) [أشعياء 42/ 10]. "أغنية جديدة" : لا هي بالعبرية ولا بالآرامية القديمة; بل بلسان عربي مبين, قرآنا يتلي وصلاة وتسبيحاً وأذانا يتردد على امتداد الكرة الأرضية: "من أقاصي الأرض", على ألسنة أكثر من مليار مسلم. (11-12) ( لِتَهْتِفِ الصَّحْرَاءُ وَمُدُنُهَا، وَدِيَارُ قِيدَارَ الْمَأْهُولَةُ. لِيَتَغَنَّ بِفَرَحٍ أَهْلُ سَالِعَ وَلْيَهْتِفُوا مِنْ قِمَمِ الْجِبَالِ. ولْيُمَجِّدُوا الرَّبَّ وَيُذِيعُوا حَمْدَهُ فِي الْجَزَائِرِ) [أشعياء 42/ 11-12]. فعلى جبل عرفات "قمم الجبال" يتجمع ملايين المسلمين عاما بعد عام, ملبين "ليمجدوا الرب" قائلين: "لبيك اللهم لبيك, لبيك لا شريك لك لبيك, إن الحمد والنعمة لك والملك, لا شريك لك". وقد سبق أن أوضحت لك أن :"ديار قيدار" هي بلاد العرب. أما: "ويذيعوا حمده في الجزائر" فقد تحققت بانتشار الإسلام إلى أبعد جزر المحيطات من أندونيسيا إلى الكاريبي.
(13)
(
يَبْرُزُ الرَّبُّ كَجَبَّارٍ، يَسْتَثِيرُ حَمِيَّتَهُ كَمَا يَسْتَثِيرُهَا
الْمُحَارِبُ، وَيُطْلِقُ صَرْخَةَ حَرْبٍ دَاوِيَةً، يُظْهِرُ جَبَرُوتَهُ أَمَامَ
أَعْدَائِهِ)
ففي سنوات معدودة أسست بالمدينة المنورة نواة الدولة الإسلامية الكبرى التي امتدت فتوحاتها وسلطانها إلى معظم أرجاء العالم. وختاما فكأن هذا الإصحاح (أشعياء 42) وصف تفصيلي لنبوءة مجيء محمد صلى الله عليه وسلم ولأمته من بعده. 8/8 سماه الملك داود سيدي في مزمور داود (110/ 1) : (قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ) [داود 110/1]. وبديهي أن الرب الذي "قال" في عبارة : "قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي" هو الله رب العالمين, أما "لِرَبِّي" فلا تعني إلا "سيدي", ويفسر مفسرو الكتاب المقدس "لربي" بأن المشار إليه هوالمسيح, ولكن كيف يكون ذلك وقد أنكر المسيح نفسه ذلك; كما جاء على لسانه في العبارات الآتية: (فَإِنْ كَانَ دَاوُدُ يَدْعُوهُ رَبَّهُ، فَكَيْفَ يَكُونُ ابْنَهُ؟ ) [متي 22/ 45]. و : (فَمَادَامَ دَاوُدُ نَفْسُهُ يَدْعُوهُ الرَّبَّ فَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ ابْنَهُ؟» وَكَانَ الْجَمْعُ الْعَظِيمُ يَسْمَعُهُ بِسُرُورٍ) [مرقس 12/ 37]. وقد أنكر على نفسه هذا اللقب, إذ كيف يكون من أحفاد داود ثم يقول داود عنه "لربي", وقد زاد المسيح الأمر وضوحا فيما جاء على لسانه في إنجيل لوقا (20/42-44) : (فِيمَا يَقُولُ دَاوُدُ نَفْسُهُ فِي كِتَابِ الْمَزَامِيرِ: قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ؟ إِذَنْ، دَاوُدُ يَدْعُوهُ رَبّاً، فَكَيْفَ يَكُونُ ابْنَهُ؟) [لوقا 20/ 42-44]. ولاشك أن العبارة الأخيرة تبدو مبتسرة وتوحي أن ثمة حذفا من نهايتها, أوضحه إنجيل برنابا الذي ترفضه الكنيسة لأسباب; منها أن برنابا قرر أن "العهد" كان لإسماعيل لا لإسحاق; بَيَّن ذلك الإنجيل أن داود كان يشير بهذا اللقب إلى محمد صلى الله عليه وسلم, وقد كان : فلم يَجْرِ على يد نبيٍّ - بإذن الله - ما جري علي يديه من نجاح وانتشار وخلود. 8/9 هل أنت النبي عندما أرسل اليهود الكهنة واللاويين إلي يوحنا المعمدان ليسألوه من هو في الحقيقة; كان رده كالآتي: (فَاعْتَرَفَ وَلَمْ يُنْكِرْ، بَلْ أَكَّدَ قَائِلاً: «لَسْتُ أَنَا الْمَسِيحَ». فَسَأَلُوهُ: «مَاذَا إِذَنْ؟ هَلْ أَنْتَ إِيلِيَّا؟» قَالَ: «لَسْتُ إِيَّاهُ!»؛ «أَوَ أَنْتَ النَّبِيُّ؟» فَأَجَابَ: «لاَ») [يوحنا 1/ 20-21], والسؤال هنا: مَنْ يكون النبي المنتظر القادم بعد مجيء المسيح ويوحنا المعمدان? مَنْ غير الذي سيكون مثل موسى (وانظر ثانية سفر التثنية 18/18 , في الفقرة 8/6 أعلاه). 8/10 الذي يعمد بالروح القدس وبالنار جاء في متى (3/ 11) :
(أَنَا
أُعَمِّدُكُمْ بِالْمَاءِ لأَجْلِ التَّوْبَةِ، وَلكِنَّ الآتِيَ بَعْدِي هُوَ
أَقْدَرُ مِنِّي، وَأَنَا لاَ أَسْتَحِقُّ أَنْ أَحْمِلَ حِذَاءَهُ. هُوَ
سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ، وَبِالنَّارِ)
وبديهي أن الذي سيأتي بعد يوحنا المعمدان الذي عاصر المسيح ما هو إلا محمد صلى الله عليه وسلم. 8/11 الأصغر في ملكوت السماوات جاء في إنجيل متى (11/11) :
(الْحَقَّ
أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ بَيْنَ مَنْ وَلَدَتْهُمْ النِّسَاءُ
أَعْظَمُ مِنْ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ. وَلَكِنَّ الأَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ
السَّمَاوَاتِ أَعْظَمُ مِنْهُ)
فهل تصدق أن يوحنا المعمدان أعظم من آدم ونوح وإبراهيم وموسى وداود وغيرهم من
الأنبياء; أو أنه حقق ما لم يحققوه? كم كان أتباعه والمهتدون علي يديه? وعلى كل
ليست هذه هي القضية هنا, ولكن السؤال هو من المشار إليه في عبارة "الأصغر في ملكوت
السماوات"? بالتأكيد ليس هو المسيح لأن "مملكة السماوات" لم تكتمل في زمانه بعد;
فمملكة السماء هي مملكة الله تعالى وأنبيائه, وأصغر
الأنبياء
وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم.
|