|
كتاب المغازي باب شهود الملائكة بدرا 550- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما – قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ: هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِرَأْسِ فَرَسِهِ عَلَيْهِ أَدَاةُ الْحَرْبِ. أداة الحرب: سلاحها. وعند ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم خفق خفقة، ثم انتبه فقال: أبشر يا أبا بكر أتاك نصر الله، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده، على ثناياه الغبار. حديث بني النَّضِير 551- عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما – قَالَ: حَارَبَتِ النَّضِيرُ وَقُرَيْظَةُ، فَأَجْلَى بَنِي النَّضِيرِ، وَأَقَرَّ قُرَيْظَةَ وَمَنَّ عَلَيْهِمْ، حَتَّى حَارَبَتْ قُرَيْظَةُ، فَقَتَلَ رِجَالَهُمْ وَقَسَمَ نِسَاءَهُمْ وَأَوْلاَدَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلاَّ بَعْضَهُمْ لَحِقُوا بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَآمَنَهُمْ وَأَسْلَمُوا، وَأَجْلَى يَهُودَ الْمَدِينَةِ كُلَّهُمْ بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَهُمْ رَهْطُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ وَيَهُودُ بَنِي حَارِثَةَ، وَكُلَّ يَهُودِ الْمَدِينَةِ. حاربت قريظة والنضير أي: حاربتا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين. أجلى بني النضير أي: أخرجهم من ديارهم مع أهلهم وأولادهم. أقر قريظة: أبقاهم مستقرين في ديارهم. حتى الرعب. إلا بعضهم أي: بعض قريظة. فآمنهم أي: جعلهم آمنبن. قينقاع: بتثليث النون. باب غزوة أحد 552- عَنِ الْبَرَاءِ - رضي الله عنه – قَالَ: لَقِينَا الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ، وَأَجْلَسَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جَيْشًا مِنَ الرُّمَاةِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ، وَقَالَ :لاَ تَبْرَحُوا، إِنْ رَأَيْتُمُونَا ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ، فَلاَ تَبْرَحُوا، وَإِنْ رَأَيْتُمُوهُمْ ظَهَرُوا عَلَيْنَا فَلاَ تُعِينُونَا. فَلَمَّا لَقِينَا هَرَبُوا حَتَّى رَأَيْتُ النِّسَاءَ يَشْتَدِدْنَ فِي الْجَبَلِ، رَفَعْنَ عَنْ سُوقِهِنَّ قَدْ بَدَتْ خَلاَخِلُهُنَّ، فَأَخَذُوا يَقُولُونَ: الْغَنِيمَةَ الْغَنِيمَةَ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: عَهِدَ إِلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ لاَ تَبْرَحُوا. فَأَبَوْا، فَلَمَّا أَبَوْا صُرِفَ وُجُوهُهُمْ، فَأُصِيبَ سَبْعُونَ قَتِيلا، وَأَشْرَفَ أَبُو سُفْيَانَ، فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ فَقَالَ :لاَ تُجِيبُوهُ. فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ قَالَ: لاَ تُجِيبُوهُ. فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ؟ فَقَالَ: إِنَّ هَؤُلاَءِ قُتِلُوا، فَلَوْ كَانُوا أَحْيَاءً لأَجَابُوا، فَلَمْ يَمْلِكْ عُمَرُ نَفْسَهُ، فَقَالَ: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، أَبْقَى اللَّهُ عَلَيْكَ مَا يُخْزِيكَ. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أُعْلُ هُبَلْ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَجِيبُوهُ. قَالُوا مَا نَقُولُ؟ قَالَ: قُولُوا اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ .قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَنَا الْعُزَّى وَلاَ عُزَّى لَكُمْ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَجِيبُوهُ. قَالُوا: مَا نَقُولُ؟ قَالَ: قُولُوا اللَّهُ مَوْلاَنَا، وَلاَ مَوْلَى لَكُمْ. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، وَالْحَرْبُ سِجَالٌ، وَتَجِدُونَ مُثْلَةً لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تَسُؤْنِي. يومئذ أي: يوم أحد، وكانوا ثلاثة آلاف رجل معهم مائتا فارس، وعلى الميمنة خالد بن الوليد، وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل، وعلى الخيل صفوان ابن أمية أو عمرو بن العاص، وعلى الرماة عبد الله بن أبي ربيعة وهم مائة رام. وكان المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعمائة معهم فرسه صلى الله عليه وسلم، وفرس أبي بردة بن نيار، وكان الرماه خمسين رجلا. الرماة: جمع رام، وهم الذين يرمون بالسهام. عبد الله: ابن جبير بن النعمان، أخا بني عمرو بن عوف. ظهرنا عليهم: غلبناهم. وفي السيرة: "فقال: انضح الخيل عنا بالنبل لا يأتونا من خلفنا، إن كانت لنا أو علينا فاثبت مكانك لا نؤتين من قبلك". وفي الحديث لابن عباس رواه أحمد والطبراني والحاكم، قال لهم: "احموا ظهورنا، فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا، وإن رأيتمونا نغنم فلا تشركونا". فكان القصد الاحتفاظ بهؤلاء الرماة للحماية الكاملة التامة. فلما لقينا هربوا: بحذف المفعول أي: لقيناهم. النساء يشتددن أي: نساء المشركين يسرعن المشي. وفي رواية: "يسندن"، من الإسناد، وهو الصعود. رفعن عن سوقهن أي: رفعن الثياب عن سوقهن: جمع ساق؛ وذلك ليتمكن من سرعة الهرب. الغنيمة الغنيمة: هذا قول المسلمين. أي: أدركوا الغنيمة وخذوها. فأبوا: وقالوا لم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا، قد انهزم المشركون فما مقامنا هنا؟ ووقعوا ينتهبون العسكر ويأخذون ما فيه من الغنائم، وثبت أميرهم عبد الله في نفر يسير دون العشرة مكانه، وقال: لا أجاوز أمر رسول الله. صرف وجوههم أي: تحيروا فلم يدروا أين يذهبون. أصيب سبعون قتيلا: وذلك بعد الارتباك الذي حدث في صفوف المسلمين، فصاروا يضرب بعضهم بعضا، ما يشعرون بذلك من الدهش والعجلة. فقال: إن هؤلاء قتلوا: القائل أبو سفيان رئيس المشركين، يقول هذا لأصحابه. ما يحزنك: ويروى "ما يُخزيك". اعل: أمر من علا يعلو. وهُبَل، بوزن زفر: صنم كان في الكعبة. وهو منادي حذف منه النداء أي: يا هبل. قال ابن اسحاق معناه أظهر دينك. وقال السهيلي: معناه زاد علوا. العُزى: تأنيث الأعز، وهو أسم صنم لقريش، وقيل: شجرة من شجر السمر كان غطفان يعبدونها، وبنوا عليها بيتا وأقاموا لها سدنة. وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها خالد بن الوليد، فهدم البيت وأحرق السمرة وهو يقول: يا عز كفرانك لا سبحانك لأني رأيت الله قد أهانك المولى: الناصر. يوم بيوم بدر أي: هذا اليوم بمقابلة يوم بدر. سجال أي: نوب، نوبة لنا ونوبة علينا. وأصل المساجلة أن يستقى ساقيان فيخرج كل واحد منهما في سجله مثل ما يخرج الآخر. والسجل: الدلو الملأي. المثلة: فُعله من مَثَلَ، إذا قطع وجدع، كما فعلوا بحمزة. بقرت هند عن كبد حمزة فلاكتها، فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها. 553- عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رضي الله عنه – قَالَ: لَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى أُحُدٍ، رَجَعَ نَاسٌ مِمَّنْ خَرَجَ مَعَهُ، وَكَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِرْقَتَيْنِ، فِرْقَةً تَقُولُ: نُقَاتِلُهُمْ. وَفِرْقَةً تَقُولُ: لاَ نُقَاتِلُهُمْ. فَنَزَلَتْ: (فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا). غزوة أحد: سنة ثلاث من الهجرة. رجع ناس: هم عبد الله بن ابي ومن تبعه من المنافقين، وكانوا ثلث الناس، نقاتهلم أي: المنافقين الذين رجعوا. فئتين أي تفرقهم في أمرهم فئتين. أركسهم بما كسبوا أي: ردهم إلى حكم الكفاؤ بسبب عصيانهم ومخالفتهم. وهذه هي الآية 88 من سورة النساء. باب غزوة الخندق وهي الأحزاب
554- عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَرَضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَهْوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فَلَمْ يُجِزْهُ، وَعَرَضَهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ
وَهْوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ فَأَجَازَهُ. 555- عَنِ جَابِرٍ- رضي الله عنه – قَالَ: إِنَّا يَوْمَ الْخَنْدَقِ نَحْفِرُ، فَعَرَضَتْ كُدْيَةٌ شَدِيدَةٌ، فَجَاءُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: هَذِهِ كُدْيَةٌ عَرَضَتْ فِي الْخَنْدَقِ، فَقَالَ: أَنَا نَازِلٌ. ثُمَّ قَامَ وَبَطْنُهُ مَعْصُوبٌ بِحَجَرٍ، وَلَبِثْنَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لاَ نَذُوقُ ذَوَاقًا، فَأَخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمِعْوَلَ فَضَرَبَ، فَعَادَ كَثِيبًا أَهْيَلَ أَوْ أَهْيَمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي إِلَى الْبَيْتِ. فَقُلْتُ: لاِمْرَأَتِى رَأَيْتُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا، مَا كَانَ فِي ذَلِكَ صَبْرٌ، فَعِنْدَكِ شيء؟ قَالَتْ: عِنْدِى شَعِيرٌ وَعَنَاقٌ. فَذَبَحْتُ الْعَنَاقَ وَطَحَنَتِ الشَّعِيرَ، حَتَّى جَعَلْنَا اللَّحْمَ فِي الْبُرْمَةِ، ثُمَّ جِئْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَالْعَجِينُ قَدِ انْكَسَرَ، وَالْبُرْمَةُ بَيْنَ الأَثَافِي قَدْ كَادَتْ أَنْ تَنْضَجَ، فَقُلْتُ: طُعَيِّمٌ لِي، فَقُمْ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَرَجُلٌ أَوْ رَجُلاَنِ. قَالَ: كَمْ هُوَ. فَذَكَرْتُ لَهُ، قَالَ: كَثِيرٌ طَيِّبٌ. قَالَ :قُلْ لَهَا لاَ تَنْزِعُ الْبُرْمَةَ وَلاَ الْخُبْزَ مِنَ التَّنُّورِ حَتَّى آتِيَ. فَقَالَ: قُومُوا. فَقَامَ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ قَالَ: وَيْحَكِ جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَمَنْ مَعَهُمْ. قَالَتْ: هَلْ سَأَلَكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ :ادْخُلُوا وَلاَ تَضَاغَطُوا. فَجَعَلَ يَكْسِرُ الْخُبْزَ وَيَجْعَلُ عَلَيْهِ اللَّحْمَ، وَيُخَمِّرُ الْبُرْمَةَ وَالتَّنُّورَ إِذَا أَخَذَ مِنْهُ، وَيُقَرِّبُ إِلَى أَصْحَابِهِ ثُمَّ يَنْزِعُ، فَلَمْ يَزَلْ يَكْسِرُ الْخُبْزَ وَيَغْرِفُ حَتَّى شَبِعُوا وَبَقِيَ بَقِيَّةٌ قَالَ :كُلِي هَذَا وَأَهْدِي، فَإِنَّ النَّاسَ أَصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ. الكدية بالضم: قطعه صلبة من الأرض لا يعمل فيها المعول. فقال: أنا نازل أي: في الموضع الذي فيه الكدية. قام وبطنه معصوب بحجر : كان العرب إذا جاعوا عصبوا بطونهم بحجارة مشدود عليها بعصابة، وذلك ليقيموا صلبهم، وليسكنوا حرارة الجوع ببرد الحجر. لا تذوق ذواقا أي: شيئا من مأكول أو مشروب، فعال بمعنى مفعول. والجملة اعتراضية مبينة لسبب ما سبق. المعول: الفأس العظيمة التي ينقر بها الصخرة. فعاد أي: المضروب. والكثيب: الرمل. الأهيل: الذي ينهال فيسيل من لينه ويتساقط من جوانبه. أهيل أو أهيم: الشك من الرواي. والأهيل بمعنى الأهيم. والهيام من الرمل: ما كان دقاقا يابسا. ائذن لي إلى البيت أي: حتى آتي بيتي. امرأة جابر: هي سهيلة بنت مسعود الأنصارية. رأيت بالنبي شيئا: أي شيئا من الجوع. ما كان في ذلك صبر أي: ليس مما يُصبر عليه. العناق، كسحاب: الأنثى من أولاد المعز. البرمة: بالضم: القدر. انكسر العجين أي: اختمر. الأثافي: جمع أثفية كأغنية، وهي حجارة ثلاثة توضع عليها القدر. طعيم مصغر طعام. لي أي: مصنوع لي. كم هو: سؤال عن الطعام. قال: قل لها لا تنزع: أي لزوجته سهيلة الأنصارية. لا تنزع البرمة أي: من فوق الأثافي. فقال: قوموا أي: إلى أكل جابر في بيته. ويحك: كلمة رحمة تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها. قالت: هل سألك: عن شأن الطعام وقدره. فقال: (رسول الله صلى الله عليه وسلم) ادخلوا ولا تضاغطوا. لا تضاغطوا: من الضغط أي: لا تزدحموا. يخمر البرمة والتنور أي: يغطيهما. التخمير: التغطية. ثم ينزع أي: يأخذ اللحم من البرمة. باب غزوة ذات الرقاع 556- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِأَصْحَابِهِ فِي الْخَوْفِ فِي غَزْوَةِ السَّابِعَةِ غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ. في الخوف: حالة الخوف من العدو. صلى بطائفه من المسلمين ركعتين، ثم ذهبوا للحماية والدفاع، ثم جاءت الطائفة الأخرى، فصلى بهم ركعتين. غزوة السابعة: هو من إضافة الموصوف إلى الصفة، كما قالوا: مسجد الجامع. الأولى غزوة بدر، ثم أحد، ثم الخندق، ثم قريظة، ثم المريسيع، ثم خيبر. 557- عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه – قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزَاةٍ، وَنَحْنُ سِتَّةُ نَفَرٍ بَيْنَنَا بَعِيرٌ نَعْتَقِبُهُ، فَنَقِبَتْ أَقْدَامُنَا وَنَقِبَتْ قَدَمَايَ وَسَقَطَتْ أَظْفَارِى، وَكُنَّا نَلُفُّ عَلَى أَرْجُلِنَا الْخِرَقَ، فَسُمِّيَتْ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ، لِمَا كُنَّا نَعْصِبُ مِنَ الْخِرَقِ عَلَى أَرْجُلِنَا. نعتقبه أي: نركبه عقبة، يركب هذا قليلا، ثم ينزل، فيركب الآخر بالنوبة حتى ينتهي آخرهم. نقبت أقدامنا أي: رقت وتقرضت من الحلفاء. 558- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنهما- أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قِبَلَ نَجْدٍ، فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَفَلَ مَعَهُ، فَأَدْرَكَتْهُمُ الْقَائِلَةُ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الْعِضَاهِ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ، وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَحْتَ سَمُرَةٍ، فَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ، قَالَ جَابِرٌ: فَنِمْنَا نَوْمَةً، ثُمَّ إِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُونَا، فَجِئْنَاهُ فَإِذَا عِنْدَهُ أَعْرَابِي جَالِسٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ سَيْفِي، وَأَنَا نَائِمٌ فَاسْتَيْقَظْتُ، وَهْوَ فِي يَدِهِ صَلْتًا، فَقَالَ لِي: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِي؟ قُلْتُ: اللَّهُ. فَهَا هُوَ ذَا جَالِسٌ. ثُمَّ لَمْ يُعَاقِبْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قفل قفولا: رجع. القائلة: هي شدة الحر في وسط النهار. العضاه: شجر عظيم له شوك، الطلح والعوسج، والواحدة عضاهة. السمرة: بضم الميم شجرة كثيرة الورق يستظل بها. اخترط السيف: سلّه. فاستيقظت، وهو في يده أي: مجردا من غمده. وصلتا: أي مصلوتا. لم يعاقبه رسول الله: وذلك استئلافا للكفار ليدخلوا في الإسلام. وعند الواقدي أنه أسلم، ورجع إلى قومة، فاهتدى به خلق كثير. غزوة بني المصطلق 559- عن أَبُي سَعِيدٍ الخُدري قال: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَأَصَبْنَا سَبْيًا مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ، فَاشْتَهَيْنَا النِّسَاءَ وَاشْتَدَّتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ، وَأَحْبَبْنَا الْعَزْلَ، فَأَرَدْنَا أَنْ نَعْزِلَ، وَقُلْنَا: نَعْزِلُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَبْلَ أَنْ نَسْأَلَهُ، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَفْعَلُوا، مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلاَّ وَهْيَ كَائِنَةٌ. المصطلق: لقب جذيمة بن سعد بن عمرو بن ربيعة بن حارثة، وهم بطن من خزاعة، سمي بالمصطلق لحسن صوته. وهذه الغزوة هي غزوة المريسيع، وكانت في سنة ست. العزبة: فَقد الأزواج والنكاح. العزل:نزع العضو قبل الفراغ دفعا لحصول الولد، وكان ذلك منهم خوفا من الاستيلاد المانع من البيع. ما عليكم ألا تفعلوا أي: ماعليكم بأس في فعل ذلك. و"لا" زائدة. أو هي غير زائدة والمعنى ليس عدم الفعل أي: العزل، واجبا عليكم. ما من نعمة كائنة أي: ما من نفس كائنة في علم الله إلا وهي كائنة في الخارج، فما قدره لله فلا بد منه. باب حديث الإفك 560- عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ، فَأَيَّتهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا، خَرَجَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَهُ. فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا فَخَرَجَ فِيهَا سَهْمِي، فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ مَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ، فَكُنْتُ أُحْمَلُ فِي هَوْدَجِي وَأُنْزَلُ فِيهِ، فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَزْوَتِهِ تِلْكَ وَقَفَلَ، دَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ قَافِلِينَ، آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ، فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أَقْبَلْتُ إِلَى رَحْلِي، فَلَمَسْتُ صَدْرِى، فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جَزْعِ ظَفَارِ قَدِ انْقَطَعَ، فَرَجَعْتُ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِى، فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ، وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يُرَحِّلُونِ بي فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِى، فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِى الَّذِي كُنْتُ أَرْكَبُ عَلَيْهِ، وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِي فِيهِ، وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يَهْبُلْنَ وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ، إِنَّمَا يَأْكُلْنَ الْعُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ، فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ الْقَوْمُ خِفَّةَ الْهَوْدَجِ حِينَ رَفَعُوهُ وَحَمَلُوهُ، وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ، فَبَعَثُوا الْجَمَلَ، فَسَارُوا، وَوَجَدْتُ عِقْدِى بَعْدَ مَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ، فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ، وَلَيْسَ بِهَا مِنْهُمْ دَاعٍ وَلاَ مُجِيبٌ، فَتَيَمَّمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ بِهِ، وَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُونِي فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي غَلَبَتْنِي عَيْنِي فَنِمْتُ، وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ، ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ، فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي فَرَأي سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ، فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي، وَكَانَ رَآنِي قَبْلَ الْحِجَابِ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي، فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي، وَاللَّهِ مَا تَكَلَّمْنَا بِكَلِمَةٍ، وَلاَ سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ، وَهَوَى حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ، فَوَطِئَ عَلَى يَدِهَا، فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَرَكِبْتُهَا، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ مُوغِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، وَهُمْ نُزُولٌ – قَالَتْ: فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَ الإِفْكِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيِّ بْنَ سَلُولَ. فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْتُ شَهْرًا، وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أَصْحَابِ الإِفْكِ، لاَ أَشْعُرُ بِشيء مِنْ ذَلِكَ، وَهْوَ يَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِي لاَ أَعْرِفُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي، إِنَّمَا يَدْخُلُ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُولُ: كَيْفَ تِيكُمْ؟ ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَذَلِكَ يَرِيبُنِي، وَلاَ أَشْعُرُ بِالشَّرِّ، حَتَّى خَرَجْتُ حِينَ نَقَهْتُ، فَخَرَجْتُ مَعَ أُمِّ مِسْطَحٍ قِبَلَ الْمَنَاصِعِ، وَكَانَ مُتَبَرَّزَنَا، وَكُنَّا لاَ نَخْرُجُ إِلاَّ لَيْلا إِلَى لَيْلٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نَتَّخِذَ الْكُنُفَ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا. قَالَتْ: وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الأُوَلِ فِي الْبَرِّيَّةِ قِبَلَ الْغَائِطِ، وَكُنَّا نَتَأَذَّى بِالْكُنُفِ أَنْ نَتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيُوتِنَا. فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ، وَهْيَ ابْنَةُ أَبِي رُهْمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَأُمُّهَا بِنْتُ صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ، فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ بَيْتِى، حِينَ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا، فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ. فَقُلْتُ: لَهَا بِئْسَ مَا قُلْتِ، أَتَسُبِّينَ رَجُلا شَهِدَ بَدْرًا؟! فَقَالَتْ: أي هَنْتَاهْ، وَلَمْ تَسْمَعِى مَا قَالَ؟ قَالَتْ: وَقُلْتُ: مَا قَالَ؟ فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الإِفْكِ – قَالَتْ:- فَازْدَدْتُ مَرَضًا عَلَى مَرَضِي، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِى دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ تِيكُمْ؟ فَقُلْتُ لَهُ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ قَالَتْ: وَأُرِيدُ أَنْ أَسْتَيْقِنَ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا، فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ لأُمِّى: يَا أُمَّتَاهُ مَاذَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟ قَالَتْ: يَا بُنَيَّةُ هَوِّنِي عَلَيْكِ، فَوَاللَّهِ لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةً عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا لَهَا ضَرَائِرُ إِلاَّ كَثَّرْنَ عَلَيْهَا. فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ أَوَ لَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا؟! قَالَتْ: فَبَكَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، حَتَّى أَصْبَحْتُ لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، ثُمَّ أَصْبَحْتُ أَبْكي - قَالَتْ - وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ يَسْأَلُهُمَا، وَيَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ. قَالَتْ: فَأَمَّا أُسَامَةُ فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ، وَبِالَّذِي يَعْلَمُ لَهُمْ فِي نَفْسِهِ، فَقَالَ أُسَامَةُ: أَهْلَكَ، وَلاَ نَعْلَمُ إِلاَّ خَيْرًا. وَأَمَّا عَلِي فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ، وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَسَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ. فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَرِيرَةَ، فَقَالَ: أي بَرِيرَةُ هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شيء يَرِيبُكِ. قَالَتْ: لَهُ بَرِيرَةُ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا قَطُّ أَغْمِصُهُ، غَيْرَ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا، فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ. قَالَتْ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ يَوْمِهِ، فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَىٍّ وَهْوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي عَنْهُ أَذَاهُ فِي أَهْلِي؟ وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلاَّ خَيْرًا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلاَّ خَيْرًا، وَمَا يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلاَّ مَعِي. قَالَتْ: فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْذِرُكَ، فَإِنْ كَانَ مِنَ الأَوْسِ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ. قَالَتْ: فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْخَزْرَجِ، وَكَانَتْ أُمُّ حَسَّانَ بِنْتَ عَمِّهِ مِنْ فَخِذِهِ، وَهْوَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَهْوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ – قَالَتْ: - وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلا صَالِحًا، وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ، فَقَالَ لِسَعْدٍ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لاَ تَقْتُلُهُ، وَلاَ تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ رَهْطِكَ مَا أَحْبَبْتَ أَنْ يُقْتَلَ. فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ - وَهْوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدٍ -، فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ، فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ. قَالَتْ: فَثَارَ الْحَيَّانِ الأَوْسُ وَ الْخَزْرَجُ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ. قَالَتْ: فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا، وَسَكَتَ قَالَتْ: فَبَكَيْتُ يَوْمِي ذَلِكَ كُلَّهُ، لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ – قَالَتْ: - وَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي، وَقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْمًا، لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، حَتَّى إِنِي لأَظُنُّ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِى، فَبَيْنَا أَبَوَايَ جَالِسَانِ عِنْدِي، وَأَنَا أَبْكِي فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَأَذِنْتُ لَهَا، فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي. قَالَتْ: - فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْنَا، فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ – قَالَتْ: - وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ مَا قِيلَ قَبْلَهَا، وَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لاَ يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي بِشيء. قَالَتْ: - فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ جَلَسَ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، يَا عَائِشَةُ، إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ، وَتُوبِي إِلَيْهِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ، ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ. قَالَتْ: فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَقَالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً، فَقُلْتُ لأَبِي: أَجِبْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِّي فِيمَا قَالَ. فَقَالَ أَبِي: وَاللَّهِ مَا أَدْرِى مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقُلْتُ لأُمِّى: أَجِيبِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا قَالَ. قَالَتْ أُمِّى: وَاللَّهِ مَا أَدْرِى مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقُلْتُ وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لاَ أَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ كَثِيرًا: إِنِي وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَقَدْ سَمِعْتُمْ هَذَا الْحَدِيثَ حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي أَنْفُسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ، فَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِي بَرِيئَةٌ لاَ تُصَدِّقُونِي، وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِي مِنْهُ بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُنِي، فَوَاللَّهِ لاَ أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلا إِلاَّ أَبَا يُوسُفَ حِينَ قَالَ: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ)، ثُمَّ تَحَوَّلْتُ وَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِي حِينَئِذٍ بَرِيئَةٌ، وَأَنَّ اللَّهَ مُبَرِّئِى بِبَرَاءَتِى وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ مُنْزِلٌ فِي شَأْنِي وَحْيًا يُتْلَى، لَشَأْنِي فِي نَفْسِي كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِيَّ بِأَمْرٍ، وَلَكِنْي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بِهَا، فَوَاللَّهِ مَا رَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَجْلِسَهُ، وَلاَ خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، حَتَّى أُنْزِلَ عَلَيْهِ، فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِنَ الْعَرَقِ مِثْلُ الْجُمَانِ وَهْوَ فِي يَوْمٍ شَاتٍ، مِنْ ثِقَلِ الْقَوْلِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ – قَالَتْ: - فَسُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهْوَ يَضْحَكُ، فَكَانَتْ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ: يَا عَائِشَةُ، أَمَّا اللَّهُ، فَقَدْ بَرَّأَكِ. قَالَتْ: فَقَالَتْ لِي أُمِّى: قُومِى إِلَيْهِ. فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لاَ أَقُومُ إِلَيْهِ، فَإِنِي لاَ أَحْمَدُ إِلاَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ – قَالَتْ: - وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصبةٌ مِنكُمْ) الْعَشْرَ الآيَاتِ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ هَذَا فِي بَرَاءَتِي. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ -: وَاللَّهِ لاَ أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ مَا قَالَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (وَلاَ يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ) إِلَى قَوْلِهِ (غَفُورٌ رَحِيمٌ) قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: بَلَى وَاللَّهِ إِنِي لأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي. فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِى كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: وَاللَّهِ لاَ أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا. قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَأَلَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ عَنْ أَمْرِي، فَقَالَ لِزَيْنَبَ: مَاذَا عَلِمْتِ أَوْ رَأَيْتِ؟ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِى، وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِلاَّ خَيْرًا. قَالَتْ عَائِشَةُ: وَهْيَ الَّتِى كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِالْوَرَعِ. أقرع أي: عمل القرعة لتخرج باسم من تسافر معه، وذلك تطييبا لقلوبهن. في غزوة غزاها: هي غزوة المريسيع. انظر ما سبق في الحديث الماضي. أنزل الحجاب أي: الأمر بالحجاب، في قوله تعالى: "وقرن في بيوتكن". الهودج: محمل له قبة تستر بالثياب ونحوها، يوضع على ظهر البعير يركب فيه النساء ليكون أستر لهن. قفل قفولا: رجع. آذن إيذانا: أعلم إعلاما. فقمت...فمشيت: مشت لقضاء حاجتها منفردة. العقد: القلادة. والجزع، بالفتح: خرز في بياضه سواد كالعروق. وظفار، كقطام: مدينة باليمن. الابتغاء: الطلب. الرهط: الجماعة. يرحلون بي: يشدون الرحل على بعيري. رحلوه ترحيلا: وضعوه. وهم يحسبون أني فيه أي: في الهودج. يهلبن: يقال: هبله اللحم، إذا كثر عليه وركب بعضه بعضا. العلقة، بالضم: القليل. حديثة السن: لم تبلغ حينئذ خمس عشرة سنة. فبعثوا الجمل أي: أثاروه من مبركه. استمر الجيش أي: ذهب ماضيا في سيره. واستمر: استفعل من المرور. التيمم: القصد. وظننت أنهم سيفقدونني: ظننت هنا بمعنى علمت. وسيفقدوني، هكذا في رواية بحذف إحدى النونين، وهي لغة لهم. وفي رواية: "سيفقدونني". غلبتني عيناي فنمت: وذلك من شدة ما اعتراها من الغم، أو كان ذلك لطفا من الله لتستريح من وحشة الانفراد في البرية بالليل. السلمى: نسبة إلى بني سليم. وذكوان: قبيلة منهم، وهم ذكوان بن ثعلبة. من وراء الجيش: كان خلف الجيش فمن سقط له شيء من متاعه كالقدح والإداوة (إناء صغير للماء) أتاه به. سواد الإنسان: شخصه. والسواد: سواد عائشة. باسترجاعه أي: بقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون. كأنه شق عليه ما جرى لعائشة. خمرت: غطيت. هوى أي: أسرع. فوطئ على يدها: وذلك ليسهل ركوبها عليه بدون مساعد. موغرين أي: داخلين في الوغرة، وهي شدة الحر. وقد عبرت بالجمع والمراد الاثنان. في نحر الظهيرة أي: حين بلغت الشمس منتهاها من الارتفاع، كأنها وصلت إلى النحر وهو أعلى الصدر. فهلك من هلك: أي من ادّعى علىّ الإفك. كبر الشيء: معظمه. ابن سلول: أي المعروف بابن سلول. وسلول: أم عبد الله بن أبي. فاشتكيت أي: مرضت. يفيضون: من الإفاضة أي: يخوضون في القول. يربيني: بفتح الياء أي: يوهمني. اللطف، بالتحريك: الرفق. تيكم: اسم إشارة أي: تلكم. نقهت: بفتح القاف أي: أفقت من المرض. قِبَل المناصع أي: جهة المناصع، وهو موضع خارج المدينة. متبرزنا أي: موضع قضاء حاجتنا. الكنف: جمع كنيف، وهو الموضع المعد لقضاء الحاجة. المرط: الكساء. تعس أي: كُبَّ على وجهه، أو هلك. هنتاه: بفتح الهاء، وسكون النون وفتحها. وأما الهاء الأخيرة فتضم وتسكن. وهي من الألفاظ الخاصة بالنداء. ومعناها يا هذه، وقيل: يا بلهاء، كأنها نسبتها إلى قلة المعرفة بمكايد الناس وشرورهم. هوني عليك: أي هوني الشأن على نفسك. الوضيئة: الحسنة الجميلة. ضرائر: جمع ضرة، بالفتح وهي الزوجة الأخرى. أكثرت عليها أي: القول في عيبها وتنقصها. لايرقأ أي: لا ينقطع. لا أكتحل بنوم: كناية جميلة عن الأرق. حين استلبث أي: حين أبطأ وتأخر، وهو استفعل من اللبث. يسألهما: عن القصة والخبر. وبالذي يعلم (أسامة) لهم في نفسه أي: من الود. أهلك أي: هم أهلك. ويروى: "أهلَك" بالنصب أي: أمسك أهلك. أما قول علي: والنساء سواها كثير: لم يكن هذا عدواة أو بغضاء، ولكن لما رأي انزعاج النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر وتعلقه أراد إراحة خاطره وتهوين الأمر عليه. وسل الجارية: هي بريرة جارية عائشة. أغمصه أي: أعيبه عليها. الداجن: كل ما يألف البيوت، شاه أو غيرها. استعذر من عبد الله بن أبي أي: قال: من يعذرني فيمن آذاني في أهلى أي: من يقوم بعذري إن جازيته على قبيح فعله. وقيل: معناه من ينصرني. والعذير: الناصر. ولقد ذكروا رجلا: هو صفوان بن المعطل. الأوس: هم قبيلة سعد بن معاذ. أم حسان: حسان بن ثابت. فخذه: أصول العرب: الشعب، ثم القبيلة، ثم الفصيلة، ثم العمارة، ثم البطن، ثم الفخد. احتملته الحمية أي: أغضبته الحمية، من مقالة سعد بن معاذ. لعمر لله لنقتلنه أي: ولو كان من الخزرج، إذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، وليست لكم قدرة على منعنا. فإنك منافق تجادل عن المنافقين: لم يرد نفاق الكفر، بل عنى أنه كان يظهر الود للأوس ثم ظهر منه في هذه القصة خلاف ذلك. أما بعد يا عائشة إنه: كذا ورد بحذف فاء الجواب كما في قوله تعالى: "وأما الذين اسودت وجوههم يوم أكفرتم". فسيبرئك الله أي: بوحي ينزله. إن كنت ألممت بذنب أي: وقع منك على خلاف العادة. قلص دمعي أي: انقطع، لأن شدة الحزن والألم تجمدان العين وتفقدانها الدمع. أبا يوسف: تعني يعقوب عليه السلام. فصبر جميل: الذي لا جزع فيه. وهي الآية 18 من يوسف. رامه يريمه: فارقه. حتى أنزل عليه أي: الوحي. البرحاء: شدة الأذى. والمراد الشدة التي تصاحب ثقل الوحي. يتحدر: يتصبب. والجمان: اللؤلؤ. فسرى عنه أي: أزيل وكشف عنه الغم. وآية الإفك هي الآية 11 من سورة النور. وكان أبو بكر ينفق على مسطح لقرابته منه: إذ كان مسطح ابن خالة أبي بكر. ولا يأتل...: الآية 22 من سورة النور. ائتلي ائتلاء: حلف. أحمي سمعي وبصري أي: من أن أقول سمعت ولم أسمع، أو أقول رأيت ولم أر. زينب: زينب بنت جحش. تساميني أي: تضاهيني وتفاخرني بجمالها ومكانتها عند النبي عليه السلام. عصمها: حفظها. باب غزوة الحُدَيبيَة 561- عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ - رضي الله عنه – قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَأَصَابَنَا مَطَرٌ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصُّبْحَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَقَالَ: قَالَ اللَّهُ: " أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِى مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِي، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَبِرِزْقِ اللَّهِ وَبِفَضْلِ اللَّهِ. فَهْوَ مُؤْمِنٌ بِي، كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَجْمِ كَذَا. فَهْوَ مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ، كَافِرٌ بِي ". الحديبية: هي بئر قرب مكة، سميت بشجرة حدباء كانت في ذلك الموضع. وكان الخروج من المدينة مستهل ذي القعدة من سنة ست. وكان العرب في جاهليتهم ينسبون الأمطار إلى الأنواء، جمع نوء، وهو سقوط نجم من منازل القمر في المغرب مع الفجر وطلوع رقيبه الذي يقابله من ساعته في المشرق في كل ليلة إلى ثلاثة عشر يوما. وهكذا كل نجم منها إلى انقضاء السنة، ما خلا الجبهة فإن لها أربعة عشر يوما، فنتقضي جميعها مع انقضاء السنة. 562- عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنهما – قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ: " أَنْتُمْ خَيْرُ أَهْلِ الأَرْضِ ". وَكُنَّا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ، وَلَوْ كُنْتُ أُبْصِرُ الْيَوْمَ لأَرَيْتُكُمْ مَكَانَ الشَّجَرَةِ. كان جابر ممن كف بصره بأخرة، وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة. الحديث: فيه أفضلية أصحاب الشجرة على غيرهم من الصحابة. وهي الشجرة التي وقعت تحتها بيعة الرضوان. وانظر الحديث السابق. 563- عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - إِلَى السُّوقِ، فَلَحِقَتْ عُمَرَ امْرَأَةٌ شَابَّةٌ، فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَلَكَ زَوْجِي، وَتَرَكَ صِبْيَةً صِغَارًا، وَاللَّهِ مَا يُنْضِجُونَ كُرَاعًا، وَلاَ لَهُمْ زَرْعٌ وَلاَ ضَرْعٌ، وَخَشِيتُ أَنْ تَأْكُلَهُمُ الضَّبُعُ، وَأَنَا بِنْتُ خُفَافِ بْنِ إِيمَاءَ الْغِفَارِيِّ، وَقَدْ شَهِدَ أَبِي الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. فَوَقَفَ مَعَهَا عُمَرُ، وَلَمْ يَمْضِ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِنَسَبٍ قَرِيبٍ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى بَعِيرٍ ظَهِيرٍ كَانَ مَرْبُوطًا فِي الدَّارِ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ غِرَارَتَيْنِ مَلأَهُمَا طَعَامًا، وَحَمَلَ بَيْنَهُمَا نَفَقَةً وَثِيَابًا، ثُمَّ نَاوَلَهَا بِخِطَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: اقْتَادِيهِ فَلَنْ يَفْنَى حَتَّى يَأْتِيَكُمُ اللَّهُ بِخَيْرٍ. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَكْثَرْتَ لَهَا. قَالَ عُمَرُ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لأَرَى أَبَا هَذِهِ وَأَخَاهَا قَدْ حَاصَرَا حِصْنًا زَمَانًا، فَافْتَتَحَاهُ، ثُمَّ أَصْبَحْنَا نَسْتَفِيءُ سُهْمَانَهُمَا فِيهِ. ما ينضجون لهم كراعا أي: لا يملكون كراعا ينضجونه. والكراع: مستدق الساق العاري من اللحم. يذكر ويؤنث. ضرع: كناية عن الدواب التي تحلب، كالناقة والشاة. الضبع: هي السنة الجدباء الشديدة، سميت بذلك لأنه يكثر فيها الموتى ولا يستطاع دفنهم، فتعيث فيهم الضباع. مرحبا بنسب قريب: يعني قرب نسب غفار من قريش، لأن كنانة تجمعهم. ويحتمل أنه أراد أنها انتسبت إلى رجل معروف. الظهير: القوي الظهر المعد للحاجة. الغرارة، بالكسر: وعاء يتخذ للتبن ونحوه. ناولها بخطامه أي: بخطام البعير، وهو الحبل الذي يقاد به. اقتاديه: أمر من الاقتياد أي: قودية بما عليه من الطعام والنفقة والثياب. أكثرت لها أي: من العطاء. ثكلتك أمك أي: فقدتك. والعرب تقولها للإنكار ولا يريدون حقيقتها، كقولهم: تربت يداك، وقاتلك الله. وأصل الثكل فقد الولد. قد حاصرا حصنا: يحتمل أن يكون من حصون خيبر؛ لأنها كانت بعد الحديبية. نستفىء: من استفأت هذا المال أي: أخذته فيئا، وسمى فيئا لأنه مال استرجعه المسلمون من يد الكفار. والسُّهمان، بضم السين: جمع سهم. باب غزوة ذات القرَدَ 564- عن سَلَمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ قال: خَرَجْتُ قَبْلَ أَنْ يُؤَذَّنَ بِالأُولَى، وَكَانَتْ لِقَاحُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَرْعَى بِذِى قَرَدٍ. قَالَ: فَلَقِيَنِي غُلاَمٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَالَ: أُخِذَتْ لِقَاحُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم! قُلْتُ: مَنْ أَخَذَهَا؟ قَالَ: غَطَفَانُ. قَالَ: فَصَرَخْتُ ثَلاَثَ صَرَخَاتٍ: يَا صَبَاحَاهْ! قَالَ: فَأَسْمَعْتُ مَا بَيْنَ لاَبَتَيِ الْمَدِينَةِ. ثُمَّ انْدَفَعْتُ عَلَى وَجْهي حَتَّى أَدْرَكْتُهُمْ وَقَدْ أَخَذُوا يَسْتَقُونَ مِنَ الْمَاءِ، فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِمْ بِنَبْلِي - وَكُنْتُ رَامِيًا – وَأَقُولُ: أَنَا ابْنُ الأَكْوَعْ والْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعْ وَأَرْتَجِزُ حَتَّى اسْتَنْقَذْتُ اللِّقَاحَ مِنْهُمْ وَاسْتَلَبْتُ مِنْهُمْ ثَلاَثِينَ بُرْدَةً. قَالَ: وَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسُ، فَقُلْتُ: يَا نَبِي اللَّهِ قَدْ حَمَيْتُ الْقَوْمَ الْمَاءَ وَهُمْ عِطَاشٌ، فَابْعَثْ إِلَيْهِمُ السَّاعَةَ. فَقَالَ: يَا ابْنَ الأَكْوَعِ، مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ. قَال: َثُمَّ رَجَعْنَا وَيُرْدِفُنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى نَاقَتِهِ حَتَّى دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ. ذات قرد: ماء على نحو بريد مما يلي غطفان. قال: خرجت: خرج من المدينة نحو الغابة. الأولى: هي صلاة الصبح. اللقاح: الإبل، الواحدة لقوح، وهي الحلوب. يا صباحاه: نداء استغاثة، يقال عند الغارة. لابتا: لابة، وهي الحرة: أرض ذات حجارة نَخِرةَ سود. الرضع: جمع راضع، وهو اللئيم. ملكت فأسجح أي: قدرت عليهم فارفق بهم ولا تأخذ بالشدة. ناقة رسول الله: كانت تسمى العضباء. خيبر: مدينة ذات حصون ومزارع على ثمانية برد من المدينة إلى جهة الشام. وكان المسير إلى خيبر في المحرم سنة سبع. فقال رجل من القوم لعامر: هو عم سلمة بن الأكوع. هنية: مصغر هنة، يعني بها الأراجيز. اللهم لولا أنت اهتدينا: في هذا الشطر ما يسمية العروضيون الخزم، بالزاي، وهي زيادة في أول البيت. ما اتقينا أي: ما تركناه من الأوامر. وثبت الأقدام إن لاقينا أي: ثبت أقدامنا إن لاقينا العدو. إذا صيح بنا أتينا: إذا دعينا إلى القتال جئنا إليه. قال…وجبت: القائل هو عمر بن الخطاب. وجبت: له الشهادة أي: الاستشهاد بدعائك له بالرحمة. لولا أمتعتنا: أي: هلا أبقيته لنا لنتمتع به. المخمصة: المجاعة. أهريقوها واكسروها أي: أريقوا ما في القدور واكسروها. وإنما نهي عنها للحاجة إليها. أو ذاك: أي: أو الغسل بدل الكسر. ذباب سيفه، طرفه الأعلى، أو حده. وهذا السيف سيف عامر نفسه. عين ركبته: طرف ركبته الأعلى. فلما قفلوا: رجعوا من خيبر. عامر حبط عمله: لأنه تسبب في قتل نفسه. جمع بين إصبعيه: بيانا للأجرين. الجاهد: الذي يركب المشقة. مشى بها: بالأرض، أو: بالمدينة، أو بالحرب، أو بالخصلة الكريمة. 566- عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قال: سَبَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَفِيَّةَ، فَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا. فَقَالَ ثَابِتٌ لأَنَسٍ: مَا أَصْدَقَهَا؟ قَالَ: أَصْدَقَهَا نَفْسَهَا فَأَعْتَقَهَا. صفية: هي صفية بنت حيي بن أخطب. ثابت: هو ثابت بن أسلم البنإني، ممن يروى عن أنس. ما أصدقها أي: ماذا جعل لها من الصداق، وهو المهر. أصدقها نفسها فأعتقها أي: جعل صداقها عتقها من الرق. وهذا من خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم. باب عمرة القضاء 567- عَنِ الْبَرَاءِ - رضي الله عنه – قَالَ: لَمَّا اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ حَتَّى قَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يُقِيمَ بِهَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَتَبُوا الْكِتَابَ كَتَبُوا: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ. قَالُوا: لاَ نُقِرُّ بِهَذَا، لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا مَنَعْنَاكَ شَيْئًا، وَلَكِنْ أَنْتَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. فَقَالَ: أَنَا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَا مُحَمَّد ُبْنُ عَبْدِ اللَّهِ. ثُمَّ قَالَ لِعَلِي: امْحُ رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ عَلِي: لاَ وَاللَّهِ لاَ أَمْحُوكَ أَبَدًا. فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْكِتَابَ، وَلَيْسَ يُحْسِنُ يَكْتُبُ، فَكَتَبَ هَذَا مَا قَاضَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: لاَ يُدْخِلُ مَكَّةَ السِّلاَحَ، إِلاَّ السَّيْفَ فِي الْقِرَابِ، وَأَنْ لاَ يَخْرُجَ مِنْ أَهْلِهَا بِأَحَدٍ، إِنْ أَرَادَ أَنْ يَتْبَعَهُ، وَأَنْ لاَ يَمْنَعَ مِنْ أَصْحَابِهِ أَحَدًا، إِنْ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ بِهَا. فَلَمَّا دَخَلَهَا وَمَضَى الأَجَلُ أَتَوْا عَلِيًّا، فَقَالُوا: قُلْ لِصَاحِبِكَ اخْرُجْ عَنَّا، فَقَدْ مَضَى الأَجَلُ. فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَتَبِعَتْهُ ابْنَةُ حَمْزَةَ تُنَادِى يَا عَمِّ يَا عَمِّ. فَتَنَاوَلَهَا عَلِيٌّ، فَأَخَذَ بِيَدِهَا، وَقَالَ لِفَاطِمَةَ - عَلَيْهَا السَّلاَمُ -: دُونَكِ ابْنَةَ عَمِّكِ. حَمَلَتْهَا فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِي وَزَيْدٌ وَجَعْفَرٌ. قَالَ عَلِي: أَنَا أَخَذْتُهَا وَهِيَ بِنْتُ عَمِّى. وَقَالَ جَعْفَرٌ ابْنَةُ عَمِّى وَخَالَتُهَا تَحْتِى. وَقَالَ زَيْدٌ: ابْنَةُ أَخِي. فَقَضَى بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِخَالَتِهَا وَقَالَ: الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ. وَقَالَ لِعَلِي: أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ. وَقَالَ لِجَعْفَرٍ: أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي. وَقَالَ لِزَيْدٍ: أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلاَنَا. وَقَالَ عَلِيٌّ: أَلاَ تَتَزَوَّجُ بِنْتَ حَمْزَةَ؟ قَالَ: إِنَّهَا بنت أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ. سميت عمرة القضاء لأنه قاضى فيها قريشا. والمقاضاة: المصالحة والمفاصلة. وكانت سنة ست من الهجرة. قاضاهم على أن يقيم بها ثلاثة أيام أي: من العام المقبل. فلما كُتب الكتاب كتبوا: ويروي: فلما كتبوا أي: المسلمون. والكاتب هو علي بن أبي طالب. فكتب: هذا ما قاضى…: بعد ما قال لعلي: أرني مكانها، فأره مكانها فمحاها وأعادها إلى على. وكتب أي: أمر بالكتابة. وإسناد الكتابة إليه مجاز، كما قالوا: كتب صلى الله عليه وسلم إلى كسرى، وإلى قيصر. المقاضاة: المصالحة والانفاق على حكم. فلما دخلها ومضى الأجل أي: دخلها في العام المقبل وأوشك أجل الثلاثة الأيام أن ينتهي. ابنة حمزة: حمزة بن عبد المطلب عمه صلى الله عليه وسلم. واسمها عمارة، أو فاطمة، أو أمامة، أو أمة الله، أو سلمى. يا عم يا عم: نادته بذلك إجلالا له. وإلا فهي ابنة عمه. أو نادته بذلك لأن حمزة كان أخاه من الرضاعة. قال علي لفاطمة: دونك ابنة عمك احمليها: إن قيل: كيف أخرجت من مكة، وفي ذلك نقض للمقاضاة السابقة؟ قيل: إن النساء المؤمنات لم يدخلن في ذلك، أو إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخرجها ولم يأمر بإخراجها. وروي أن زيد بن حارثة هو الذي أخرجها، أو إن المشركين لم يطلبوها. زيد وجعفر: زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب. وخالتها تحتى: هي أسماء بنت عميس. الخالة بمنزلة الأم: في الشفقة والحنو، والاهتداء إلى ما يصلح الولد. قال لعلي: أنت مني وأنا منك: في النسب والصهر والسابقة والمحبة. أشبهت خلقي وخلقي: قيل أشبهه في صورته سبعة وعشرون رجلا. قال على: ألا تتزوج: لرسول الله صلى الله عليه وسلم. إنها بنت أخي من الرضاعة أي: فلا تحل لي. وكان حمزة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخاه من الرضاعة، أرضعتها ثويبة مولاة أبي لهب. باب غزوة مؤتة من أرض الشام 568- عن خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ قال: لَقَدْ دُقَّ فِي يَدِي يَوْمَ مُوتَةَ تِسْعَةُ أَسْيَافٍ، وَصَبَرَتْ فِي يَدِى صَفِيحَةٌ لِي يَمَانِيَةٌ. خالد: ابن الوليد بن المغيرة المخزومي. أسلم قبل غزوة مؤته بشهرين، وكان النصر على يده يومئذ. مؤتة، بالقرب من البلقاء. وكانت الغزوة سنة ثمان. دقت أي: انقطعت وانكسرت من كثرة ما كان يضرب بها في الحرب. صبرت: يعني بقيت ولم تنقطع. والصفيحة: السيف العريض. يمانية: نسبة إلى اليمن. باب غزوة الفتح 569- عن عَلِيٍّ - رضي الله عنه – قال: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ فَقَالَ: انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ، فَخُذُوا مِنْهَا. قَالَ: فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى أَتَيْنَا الرَّوْضَةَ، فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ قُلْنَا لَهَا: أَخْرِجِى الْكِتَابَ. قَالَتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ. فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، قَالَ: فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا، فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا فِيهِ: مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى نَاسٍ بِمَكَّةَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا حَاطِبُ مَا هَذَا؟ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لاَ تَعْجَلْ عَلَيَّ، إِنِّي كُنْتُ امْرَا مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ – يَقُولُ: كُنْتُ حَلِيفًا وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا - وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مَن ْلَهُمْ قَرَابَاتٌ، يَحْمُونَ أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ قَرَابَتِى، وَلَمْ أَفْعَلْهُ ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي، وَلاَ رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ. فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ. فَقَالَ إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّه َاطَّلَعَ عَلَى مَنْ شَهِدَ بَدْرًا قَالَ اعْمَلُوا مَا شئتم فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ السُّورَةَ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الحَقِّ) إِلَى قَوْلِهِ: (فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ). غزوة الفتح أي: فتح مكة. وذلك لنقض أهلها العهد الذي وقع بالحديبية. وكانت الغزوة في رمضان سنة ثمان من الهجرة. الزبير والمقداد: الزبير بن العوام، والمقداد بن الأسود. روضة خاخ: موضع بين مكة والمدينة. الظعينة: المرأة في الهودج. واسم تلك المرأة سارة أو كنود. تعادي: أي: تتعادى، بحذف إحدى التاءين. والتعادى: الجرى. لنلقين الثياب أي: لننزعن عنك ثيابك. العقاص: الخيط الذي يعتقص به أطراف الذوائب أو الشعر المضفور. قد صدقكم: معناه قال لكم الصدق. (يا أيها الذين آمنوا): الآية الأولى من سورة الممتحنة. 570- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَحَوْلَ الْبَيْتِ سِتُّونَ وَثَلاَثُمِائَةِ نُصُبٍ، فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ وَيَقُولُ: (جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ)، (جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ). راوي الحديث: عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. النصب: ما ينصب للعبادة دون الله تعالى. (جاء الحق وزهق الباطل): الآية 81 من الإسراء. والحق: الإسلام أو القرآن. زهق: اضمحل وتلاشى. (جاء الحق ومايبدئ الباطل): الآية 49 من سبأ. أي: زال الباطل وهلك، لأن الإبداء والإعادة من صفة الحي. وكانت الأصنام مثبتة أقدامها بالرصاص، ومع ذلك لم يبق وثن استقبله إلا سقط على قفاه. وإنما فعل ذلك لإذلال الأصنام وعابديها، ولإظفار أنها لا تنفع ولا تضر، ولا تدفع عن نفسها شيئا. 571- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ وَفِيهِ الآلِهَةُ فَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ، فَأُخْرِجَ صُورَةُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ فِي أَيْدِيهِمَا مِنَ الأَزْلاَمِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: قَاتَلَهُمُ اللَّهُ لَقَدْ عَلِمُوا مَا اسْتَقْسَمَا بِهَا قَطُّ. ثُمَّ دَخَلَ الْبَيْتَ فَكَبَّرَ فِي نَوَاحِى الْبَيْتِ وَخَرَجَ وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ. كان ذلك، في غزوة الفتح. الآلهة هنا أي: أصنام المشركين. الأزلام: جمع زلم، بالتحريك، وهي الأقداح التي كانوا يستقسمون بها الخير والشر، مكتوب على بعضها افعل، وعلى بعضها الآخر لا تفعل؛ فإذا أراد أحدهم فعل شيء أدخل يده في الجعبة فأخرج منها واحدا فإن خرج الآمر مضى لشأنه، وإن خرج الناهي كف. قاتلهم الله: أي: لعنهم الله. باب دخول النبي صلى الله عليه وسلم من أعلى مكة 572- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَقْبَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، مُرْدِفًا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَمَعَهُ بِلاَلٌ وَمَعَهُ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ مِنَ الْحَجَبَةِ حَتَّى أَنَاخَ فِي الْمَسْجِدِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمِفْتَاحِ الْبَيْتِ. فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَبِلاَلٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ، فَمَكَثَ فِيهِ نَهَارًا طَوِيلا ثُمَّ خَرَجَ فَاسْتَبَقَ النَّاسُ، فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَوَّلَ مَنْ دَخَلَ، فَوَجَدَ بِلاَلا وَرَاءَ الْبَابِ قَائِمًا فَسَأَلَهُ: أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَأَشَارَ لَهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى مِنْ سَجْدَةٍ؟ من أعلى مكة: من كداء. أسامة بن زيد: هو خادمة صلى الله عليه وسلم. حجبة: جمع حاجب، وهم سدنة الكعبة ال>ين معهم مفتاحها. فأمره أن يأتي بمفتاح البيت أي: أمر عثمان بن طلحة. وقد أحضر عثمان المفتاح من أمه سُلافة بعد تمنع منها وإبطاء. فمكث فيه نهارا طويلا: مكث في البيت يكبر ويصلي ويدعو. فاستبق الناس: للولوج إلى الكعبة. كم صلى من سجدة أي: من ركعة. باب قول الله تعالى: (ويوم حُنَين إذ أعجبتَكم كثرتكم) 573- عن الْبَرَاءَ وَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عُمَارَةَ أَتَوَلَّيْتَ يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ فَقَالَ أَمَّا أَنَا فَأَشْهَدُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لَمْ يُوَلِّ، وَلَكِنْ عَجِلَ سَرَعَانُ الْقَوْمِ، فَرَشَقَتْهُمْ هَوَازِنُ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ آخِذٌ بِرَأْسِ بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ يَقُولُ: "أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ" (ويوم حنين): الآية 25 من سورة التوبة. البراء: البراء بن عازب رضي الله عنه. التولى: أن يدبر منهزما. حنين: واد بين مكة والطائف خرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لست خَلَونَ من شوال سنة ثمان، وذلك بعد غزوة الفتح. سرعان القوم، بالتحريك: أوائلهم الذين يسارعون إلى الأمور. فرشقتهم هوزان أي: رمتهم تلك القبيلة المعروفة، وكانوا رماة. أبو سفيان بن الحارث: ابن عبد المطلب، وهو ابن عم رسول الله. أنا النبي لا كذب: هو من النثر الذي جاء على موزون الشعر، وإذا قيس بالأوزان كان من منهوك الرجز. 574- عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَامَ حُنَيْنٍ، فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ، فَرَأَيْتُ رَجُلا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، قَدْ عَلاَ رَجُلا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَضَرَبْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ بِالسَّيْفِ، فَقَطَعْتُ الدِّرْعَ، وَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَأَرْسَلَنِي، فَلَحِقْتُ عُمَرَ فَقُلْتُ: مَا بَالُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَمْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. ثُمَّ رَجَعُوا وَجَلَسَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ. فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ ثُمَّ جَلَسْتُ فقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ. قال: ثم قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ، فَقُمْتُ فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ ثُمَّ جَلَسْتُ. قال: ثم قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ، فَقُمْتُ فَقَالَ: مَالَكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ! فَأَخْبَرْتُهُ. فَقَالَ رَجُلٌ: صَدَقَ وَسَلَبُهُ عِنْدِى فَأَرْضِهِ مِنِّه. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لاَهَا اللَّهِ، إِذًا لاَ يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فَيُعْطِيَكَ سَلَبَهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: صَدَقَ فَأَعْطِهِ. فَأَعْطَانِيهِ فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفًا فِي بَنِي سَلِمَةَ، فَإِنَّهُ لأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الإِسْلاَمِ. أبو قتادة: اسمه الحارث بن ربعي، وكان فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم. جولة أي: تقدم وتأخر، وفي العبارة لطف حيث لم يقل هزيمة. علا رجلا أي: أشرف على قتله. حبل عاتقه أي: عصب عاتقه، عند موضع الرداء من العنق. وجدت منها ريح الموت أي: شدة كشدته. فأرسلني أي: أطلقني. فقلت ما بال الناس أي: ما شأنهم منهزمين. ثم رجعوا: رجع المسلمون بعد الانهزام. السلَب: فعل بمعنى مفعول، وهو ما يأخذه أحد القرنين في الحرب من قرنه مما يكون عليه ومعه، من ثياب وسلاح ودابة. فقال رجل: صدق وسلبه عندي، هو أسود بن خزاعي الأسملي. فأرضه منه، وفي رواية: "مني": يريد بذلك أن يتقاسم معه السلب. هاالله: أي: لا والله. وها كلمة للتنبيه ولكنها هنا للقسم. لا يعمد أي: لا يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم. إلى أسد من أسد الله: إلى رجل كأنه أسد في شجاعته. والخطاب في العبارة لأسود بن خزاعي الذي احتجز سلب قتيل إلى قتادة. صدق فأعطه أي: صدق أبو بكر. والأمر لأسود بن خزاعي. المخرف: البستان. وبنو سلمة: بطن من الأنصار. التأثل: الاقتناء. باب غزوة أوطاس 575- عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه – قَالَ: لَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ حُنَيْنٍ بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ عَلَى جَيْشٍ إِلَى أَوْطَاسٍ فَلَقِيَ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ، فَقُتِلَ دُرَيْدٌ وَهَزَمَ اللَّهُ أَصْحَابَهُ. قَالَ أَبُو مُوسَى: وَبَعَثَنِي مَعَ أَبِي عَامِرٍ فَرُمِيَ أَبُو عَامِرٍ فِي رُكْبَتِهِ، رَمَاهُ جُشَمِيٌ بِسَهْمٍ، فَأَثْبَتَهُ فِي رُكْبَتِهِ، فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا عَمِّ مَنْ رَمَاكَ؟ فَأَشَارَ إِلَى أَبِي مُوسَى فَقَالَ: ذَاكَ قَاتِلِي الَّذِي رَمَانِي! فَقَصَدْتُ لَهُ فَلَحِقْتُهُ فَلَمَّا رَآنِي وَلَّى فَاتَّبَعْتُهُ وَجَعَلْتُ أَقُولُ لَهُ أَلاَ تَسْتَحِى، أَلاَ تَثْبُتُ؟ فَكَفَّ فَاخْتَلَفْنَا ضَرْبَتَيْنِ بِالسَّيْفِ فَقَتَلْتُهُ ثُمَّ قُلْتُ لأَبِي عَامِرٍ: قَتَلَ اللَّهُ صَاحِبَكَ! قَالَ فَانْزِعْ هَذَا السَّهْمَ فَنَزَعْتُهُ فَنَزَا مِنْهُ الْمَاءُ. قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي أَقْرِئِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم السَّلاَمَ، وَقُلْ لَهُ: اسْتَغْفِرْ لِي. وَاسْتَخْلَفَنِي أَبُو عَامِرٍ عَلَى النَّاسِ، فَمَكَثَ يَسِيرًا، ثُمَّ مَاتَ، فَرَجَعْتُ، فَدَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِهِ عَلَى سَرِيرٍ مُرْمَلٍ وَعَلَيْهِ فِرَاشٌ قَدْ أَثَّرَ رِمَالُ السَّرِيرِ بِظَهْرِهِ وَجَنْبَيْهِ، فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِنَا وَخَبَرِ أَبِي عَامِرٍ، وَقَالَ: قُلْ لَهُ: اسْتَغْفِرْ لِي، فَدَعَا بِمَاءٍ، فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ. وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْق َكَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ مِنَ النَّاسِ. فَقُلْتُ: وَلِي فَاسْتَغْفِرْ. فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ، وَأَدْخِلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُدْخَلا كَرِيمًا. أوطاس: واد في ديار هوازن، وفيه عسكروا هم وثقيف، ثم التقوا بحنين سنة ثمان من الهجرة. أبو عامر: هو عبيد بن سليم الأشعري، وهو عم أبي موسى. بعثة رسول الله: في طلب الفاّرين من هوازن يوم حنين إلى أوطاس. فأشار إلى أبي موسى: هو تجريد، وكان الأصل أن يقول: فأشار إلى. ولى: أي: أدبر. فكف أي: امتنع من التولى والإدبار. فاختلفنا أي: تداولنا. فنزا الماء أي: انصب وانسكب منه. واستخلفني أبو عامر على الناس: أميرا عليهم. سرير مُرملَ: ويروى: "مُرَمَّل" بتشديد الميم، وهو المنسوج بالحبال ونحوها. الرمال: حبال الحصير التي يربط بها الأسرّة. والرمال بضم الراء: مارمل، مثل الحطام والركاب لما حطم وركم. وبكسر الراء أيضا: جمع رَمل بمعنى مرمول، كخلق بمعنى مخلوق. وقال: قل له استغفر لي أي: وبقول أبي عامر قل له صلى الله عليه وسلم يستغفرلي. المدخل، بضم الميم وفتحها: اسم للمكان ومصدر ميمي أيضا فيهما. باب غزوة الطائف 576- عن أُمِّ سَلَمَةَ - رضي الله عنها - قالت: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدِى مُخَنَّثٌ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الطَّائِفَ غَدًا فَعَلَيْكَ بِابْنَةِ غَيْلاَنَ، فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ. وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لاَ يَدْخُلَنَّ هَؤُلاَءِ عَلَيْكُنَّ. أم سلمة: اسمها هند بنت أبي أمية المخزومية، أم المؤمنين رضي الله عنها. مخنث: هو مَنْ فيه انخناث أي: تكسر وتثن كالنساء. واسم هذا المخنث "هيت" بكسر الهاء. أرأيت: معناه أخبرني. الطائف: هي بلاد ثقيف بينها وبين مكة اثنا عشر فرسخا، وكان فتحها في شوال سنة ثمان. ابنة غيلان: اسمها بادية بنت غيلان بن مسلمة. وقد أسلمت، وأسلم أبوها بعد فتح الطائف، وتزوجها عبد الرحمن بن عوف. وأبوها أحد من قال: "لولا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم". تقبل بأربع وتدبر بثمان أي: تقبل بأربع من العكن. والعكنة بضم العين: ما انطوى وتثنى من لحم البطن سمنا. وأما إدبارها بالثمان فلأن أطراف العكن الأربع التي في بطنها، تظهر ثمانية في جنبيها، أربعة عن يمين وأربعة عن شمال. لا يدخلن هؤلاء أي: هؤلاء المخنثون. وإنما كان يؤذن لهذا المخنث على أنه من جملة غير أولى الإربة من الرجال، فلم ير بأسا به، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الكلام ورأي أنه يفطن لمثل هذا من النعت أمر بأن يحجب عنهن فلا يدخل عليهن. 577- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا حَاصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الطَّائِفَ فَلَمْ يَنَلْ مِنْهُمْ شَيْئًا قَالَ: إِنَّا قَافِلُونَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَثَقُلَ عَلَيْهِمْ، وَقَالُوا: نَذْهَبُ وَلاَ نَفْتَحُهُ! وَقَالَ مَرَّةً: نَقْفُلُ. فَقَالَ: اغْدُوا عَلَى الْقِتَالِ. فَغَدَوْا فَأَصَابَهُمْ جِرَاحٌ فَقَالَ: إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَأَعْجَبَهُمْ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. بعد ما انهزموا من أوطاس دخلوا حصنهم وأغلقوه عليهم من المؤن ما يكفيهم سنة كاملة، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر يوما أو خمسة عشر يوما. وكانوا يرمون على المسلمين سكك الحديد المحماة، كما رموهم بالنبل فأصابوا قوما، فاستشار صلى الله عليه وسلم نوفل بن معاوية الديلي، فقال: هم ثعلب في جحر، إن قمت عليه أخذته، وإن تركته لم يضرك. قافلون أي: راجعون، قفل يقفل: رجع. اغدوا: سيروا أي: الغدوة في أول النهار لأجل القتال فأصابهم جراح: لأنهم كانوا يرمون عليهم من أعلى السور فينالونهم بسهامهم، ولا تصل السهام إليهم لكونهم من أعلى السور. باب بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني جَذِيمة 578- عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ فَدَعَاهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ فَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا: أَسْلَمْنَا. فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: صَبَأْنَا، صَبَأْنَا. فَجَعَلَ خَالِدٌ يَقْتُلُ مِنْهُمْ وَيَأْسِرُ، وَدَفَعَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمٌ أَمَرَ خَالِدٌ أَنْ يَقْتُلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لاَ أَقْتُلُ أَسِيرِى، وَلاَ يَقْتُلُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِي أَسِيرَهُ، حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْنَاهُ، فَرَفَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ. مَرَّتَيْنِ. أبو سالم هو عبد الله بن عمر بن الخطاب. بنو جذيمة: بنو جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة. وكان ذلك عقب فتح مكة، في شوال، قبل الخروج إلى حنين. صبأنا أي: خرجنا من الشرك إلى دين الإسلام. فلم يكتف خالد إلا بالتصريح بذكر الإسلام، أو فهم أنهم عدلوا عن التصريح أنفة منهم ولم ينقادوا. حتى إذا كان يوم أي: يوم من الأيام كان، كما قال ابن حجر. وقال العيني: بل يوم اسم كان مضاف إلى ما بعده. مرتين أي: قال ذلك مرتين. وإنما نقم على خالد استعجاله في شأنهم، وترك التثبت في أمرهم إلى أن يرى المراد من قولهم صبأنا. ولم يحكم عليه بالقود؛ لأنه تأول أنه كان مأمورا بقتالهم إلى أن يسلموا. باب سريَّة عبد الله بن حُذافة 579- عَنْ عَلِي - رضي الله عنه – قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً فَاسْتَعْمَلَ رَجُلا مِنَ الأَنْصَارِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، فَغَضِبَ فَقَالَ: أَلَيْسَ أَمَرَكُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُطِيعُونِي؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا. فَجَمَعُوا، فَقَالَ: أَوْقِدُوا نَارًا. فَأَوْقَدُوهَا، فَقَالَ: ادْخُلُوهَا. فَهَمُّوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُمْسِكُ بَعْضًا، وَيَقُولُونَ: فَرَرْنَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ النَّارِ! فَمَا زَالُوا حَتَّى خَمَدَتِ النَّارُ، فَسَكَنَ غَضَبُهُ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ. استعمل رجلا من الأنصار: هو عبد الله بن حذافة السهمي. فغضب أي: غضب عليهم لشيء كان منهم. خمدت النار: أي: انطفأ لهيها. لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة: لو دخلوها ظانين أنهم بطاعتهم لأميرهم لا تضرهم ما خرجوا من تلك النار لاحتراقهم. أو ما خرجوا من نار الآخرة يوم القيامة، ففيه نوع من أنواع البديع، وهو الاستخدام. وجنايتهم أنهم ارتكبوا ما نهي عنه من قتل النفس مستحلين لذلك. باب بعث علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد إلى اليمن قبل حجة الوداع 580- عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قال: بَعَثَ عَلِي بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْيَمَنِ بِذُهَيْبَةٍ فِي أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ لَمْ تُحَصَّلْ مِنْ تُرَابِهَا، قَالَ: فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ بَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ، وَأَقْرَعَ بْنِ حَابِسٍ وَزَيْدِ الْخَيْلِ، وَالرَّابِعُ إِمَّا عَلْقَمَةُ وَإِمَّا عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِهَذَا مِنْ هَؤُلاَءِ. قَالَ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَلاَ تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ، يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً؟ قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ، مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ، نَاشِزُ الْجَبْهَةِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، مَحْلُوقُ الرَّأْسِ، مُشَمَّرُ الإِزَارِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اتَّقِ اللَّهَ. قَالَ: وَيْلَكَ أَوَلَسْتُ أَحَقَّ أَهْلِ الأَرْضِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ؟ قَال: َثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ، قَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلاَ أَضْرِبُ عُنُقَهُ قَالَ: لاَ، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِي. فَقَالَ خَالِدٌ: وَكَمْ مِنْ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ قُلُوبَ النَّاسِ، وَلاَ أَشُقَّ بُطُونَهُمْ قَالَ: ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهِ وَهْوَ مُقَفٍّ فَقَالَ: إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ رَطْبًا، لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ وَأَظُنُّهُ قَالَ: لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ ثَمُودَ. ذهيبة: مصغر ذهبة، وهي القطعة من الذهب. مقروظ أي: جلد مدبوغ بالقرظ (نوع أشجار السنط). لم تحصل من ترابها: لم تخلص تلك الذهيبة من ترابها بالصهر والسبك. عيينة بن بدر: نسبة إلى جده الأعلى، وهو عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري. زيد الخيل: هو زيد الخيل بن مهلهل الطائي، قيل له زيد الخيل لكرائم الخيل التي كانت عنده. وسماه صلى الله عليه وسلم زيد الخير وأثنى عليه، وأسلم وحسن إسلامه في حياة النبي. علقمة: علقمة بن علاثة العامري. غائر العينين: عيناه داخلتان في محاجرهما لاصقتان بقعر الحدقة. مشرف الوجنتين: أي: بارزهما. النشوز: الارتفاع. كث اللحية: كثير شعر اللحية. التنقيب: البحث والتفتيش. وروى: "أنقب". مقف أي: مَوَلٍّ قفاه. الضئضئ: النسل. يتلون كتاب الله رطبا: لمواظبتهم عليه، فلا يزال لسانهم رطبا بها. أو هو من تحسين الصوت بالتلاوة. يمرقون: يخرجون. كما ينفذ السهم من الصيد المرمى. لأقتلنهم قتل ثمود أي: لأستأصلنهم استئصال ثمود. غزوة ذي الخلصة 581- عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَلاَ تُرِيحُنِي مِنْ ذِى الْخَلَصَةِ؟ فَقُلْتُ: بَلَى. فَانْطَلَقْتُ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةِ فَارِسٍ مِنْ أَحْمَسَ، وَكَانُوا أَصْحَابَ خَيْلٍ وَكُنْتُ لاَ أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِي صلى الله عليه وسلم، فَضَرَبَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِي حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ يَدِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ: اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا. قَالَ: فَمَا وَقَعْتُ عَنْ فَرَسٍ بَعْدُ. قَالَ: وَكَانَ ذُو الْخَلَصَةِ بَيْتًا بِالْيَمَنِ لِخَثْعَمَ وَبَجِيلَةَ، فِيهِ نُصُبٌ تُعْبَدُ، يُقَالُ لَهُ: الْكَعْبَةُ. قَالَ: فَأَتَاهَا فَحَرَّقَهَا بِالنَّارِ وَكَسَرَهَا. قَالَ: وَلَمَّا قَدِمَ جَرِيرٌ الْيَمَنَ كَانَ بِهَا رَجُلٌ يَسْتَقْسِمُ بِالأَزْلاَمِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَا هُنَا فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْكَ ضَرَبَ عُنُقَكَ. قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ يَضْرِبُ بِهَا إِذْ وَقَفَ عَلَيْهِ جَرِيرٌ، فَقَالَ: لَتَكْسِرَنَّهَا، وَلَتَشْهَدَنَّ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ أَوْ لأَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ. قَالَ: فَكَسَرَهَا وَشَهِدَ، ثُمَّ بَعَثَ جَرِيرٌ رَجُلا مِنْ أَحْمَسَ يُكْنَى أَبَا أَرْطَاةَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُبَشِّرُهُ بِذَلِكَ، فَلَمَّا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا جِئْتُ حَتَّى تَرَكْتُهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْرَبُ. قَالَ: فَبَرَّكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ. جرير: جرير بن عبد الله البجلي. ذو الخلصة: اسم لصنم صار مكانة مسجدا جامعا لبلدة يقال لها: العبلات من أرض خثعم. وإنما خص جريرا بالطلب لأنه كان في بلاد قومة. بنو أحمس: بطن من بجيلة رهط جرير بن عبد الله. كانوا أصحاب خيل أي: لهم ثبات عليها. النصب: حجر كانوا ينصبونه في الجاهلية، ويذبحون عليه ويعبدونه. نصب يعبد يقال له الكعبة: كانوا يسمونه الكعبة اليمانية، مضاهاة للكعبة الشامية التي بمكة. كسرها أي: حطم بناءها. الاستقسام: طلب القسم من الخير أو الشر، وذلك بالضرب بالقداح. انظر ما سبق في الحديث 571. يضرب بها أي: بالأزلام يجيلها في الخريطة ليستخرج منها قدحا. أبو أرطاة: اسمه حصين بن ربيعة. كأنها جمل أجرب، وذلك من أثر الإحراق والتخريب. خيل أحمس أي: فرسانها الراكبون للخيل. وبركهم تبريكا: دعا لهم بالبركة. ويروى: "فبارك". باب غزوة سِيف البحر 582- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه ِ- رضي الله عنهما - أَنَّهُ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْثًا قِبَلَ السَّاحِلِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ وَهُمْ ثَلاَثُمِائَةٍ، فَخَرَجْنَا وَكُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ فَنِي الزَّادُ فَأَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِأَزْوَادِ الْجَيْشِ، فَجُمِعَ، فَكَانَ مِزْوَدَيْ تَمْرٍ، فَكَانَ يَقُوتُنَا كُلَّ يَوْمٍ قَلِيلٌ قَلِيلٌ حَتَّى فَنِي، فَلَمْ يَكُنْ يُصِيبُنَا إِلاَّ تَمْرَةٌ تَمْرَةٌ، فَقُلْتُ: مَا تُغْنِي عَنْكُمْ تَمْرَةٌ؟ فَقَالَ: لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حِينَ فَنِيَتْ. ثُمَّ انْتَهَيْنَا إِلَى الْبَحْرِ فَإِذَا حُوتٌ مِثْلُ الظَّرِبِ فَأَكَلَ مِنْهَا الْقَوْمُ ثَمَانَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِضِلَعَيْنِ مِنْ أَضْلاَعِهِ فَنُصِبَا، ثُمَّ أَمَرَ بِرَاحِلَةٍ فَرُحِلَتْ ثُمَّ مَرَّتْ تَحْتَهُمَا، فَلَمْ تُصِبْهُمَا. السيف: بالكسر، شاطئ البحر. وكانت تلك الغزوة سنة ثمان، كانوا يرصدون عيرا لقريش تحمل الميرة. البعث: الجيش يبعث إلى أرض العدو. أزواد: جمع زود بالفتح، وهو الطعام في السفر والحضر. المزود: وعاء يجعل فيه الزاد. حتى فنى أي: أوشك أن ينفي. وجدنا فقدها أي: تأثير فقدها. الظرب: ككتف: الجبل الصغير. فأمر بضلعين فنصبا أي: أمر أن ينصبا فنصبا. رحلت أي: شد عليها الرحل. قصة أَهل نجران 583- عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: جَاءَ الْعَاقِبُ وَالسَّيِّدُ صَاحِبَا نَجْرَانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُرِيدَانِ أَنْ يُلاَعِنَاهُ، قَالَ: فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: لاَ تَفْعَلْ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ كَانَ نَبِيًّا فَلاَعَنَّا، لاَ نُفْلِحُ نَحْنُ وَلاَ عَقِبُنَا مِنْ بَعْدِنَا. قَالاَ: إِنَّا نُعْطِيكَ مَا سَأَلْتَنَا، وَابْعَثْ مَعَنَا رَجُلا أَمِينًا، وَلاَ تَبْعَثْ مَعَنَا إِلاَّ أَمِينًا. فَقَالَ: لأَبْعَثَنَّ مَعَكُمْ رَجُلا أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ. فَاسْتَشْرَفَ لَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: قُمْ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ. فَلَمَّا قَامَ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هَذَا أَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ. حذيفة: حذيفة بن اليمان رضي الله عنه. العاقب: اسمه عبد المسيح. والسيد: اسمه الأيهم أو شرحبيل. وكان السيد رئيسهم، والعاقب صاحب مشورتهم. نجران: بلد كبير على سبع مراحل (المرحلة: مسافة يقطعها السائر في نحو يوم) من مكة. وهي في مخاليف اليمن، وكانت موئلا للنصرانية، وأول من نشر دعوة المسيحية فيها فيميون. الملاعنة: هنا بمعنى المباهلة، وكان القوم يجتمعون إذا اختلفوا في شيء فيقولون: لعنة الله على الظالم منا أو الكاذب!! فهذه هي المباهلة. فاستشرف له أي: لذلك القول منتظرين معرفة من يقع عليه الاختيار. باب قدوم الأشعرين وأهل اليمن 584- عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَدِمْتُ أَنَا وَأَخِي مِنَ الْيَمَنِ، فَمَكَثْنَا حِينًا مَا نُرَى ابْنَ مَسْعُودٍ وَأُمَّهُ إِلاَّ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، مِنْ كَثْرَةِ دُخُولِهِمْ وَلُزُومِهِمْ لَهُ. كان قدوم الأشعريين سنة سبع عند فتح خيبر، مع أبي موسى. وكان وفود أهل اليمن، وهم حمير، سنة الوفود سنة تسع. أخو أبي موسى: هو أبو رهم، أو أبو بردة. ما نرى أي: ما نظن. أم ابن مسعود: هي أم عبد بنت عبد ود بن سود بن قريم بن صاهلة الهذلية. أهل البيت: البيت النبوي الكريم. 585- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ، هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً وَأَلْيَنُ قُلُوبًا. الإِيمَانُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ، وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلاَءُ فِي أَصْحَابِ الإِبِلِ، وَالسَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ. قال صلى الله عليه وسلم: مخاطبا أصاحبه وفيهم الأنصار. يمان: نسبة إلى اليمن، أصله يمني بياء النسبة، فحذفت الياء تخفيفا وعوض عنها الألف. أي: الإيمان منسوب إلى أهل اليمن، لأن صفاء القلب ورقته ولين جوهره يؤدي به إلى عرفان الحق والتصديق به، وهو الإيمان والانقياد. الفخر: الافتخار وعد المآثر القديمة تعظما. والخيلاء: الكبر والتعاظم. السكينة: السكون والوداعة. والوقار: الخضوع. قال البيضاوي: في تخصيص الخيلاء بأصحاب الإبل، والوقار بأهل الغنم، ما يدل على أن مخالطة الحيوان ربما تؤثر في النفس وتعدى إليها هيئات وأخلاقا تناسب طباعها، وتلائم أحوالها. باب حجة الوداع 586- عن زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم غَزَا تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً، وَأَنَّهُ حَجَّ بَعْدَ مَا هَاجَرَ حَجَّةً وَاحِدَةً لَمْ يَحُجَّ بَعْدَهَا: حَجَّةَ الْوَدَاعِ. تسع عشرة غزوة: وهي التي خرج فيها بنفسه. وقد قيل إن فريضة الحج نزلت عام حجة الوداع، وقبل سنة تسع. وكانت حجة الوداع سنة عشر من الهجرة. باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته 587- عن عَائِشَةُ - رضي الله عنها - كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: "يَا عَائِشَةُ مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ، فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِى مِنْ ذَلِكَ السَّمِّ". أجد ألم الطعام أي: أحس الألم في جوفي بسبب الطعام المسموم. ويروى أنه: قد أهدت له زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مكشم شاة مصلية أي: مشوية، وقد سألت: أي: عضو من الشاة أحب إلى رسول الله؟ فقيل لها: الذراع. فأكثرت فيه من السم ثم سمت سائر الشاة، فتناول الذراع، فلاك منها مضغة، فلم يسغها فلفظها وقال: إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم! الأبهر: عرق في الصب متصل بالقلب. 588- عن عَائِشَةَ أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَأَصْغَتْ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ، وَهْوَ مُسْنِدٌ إِلَيَّ ظَهْرَهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي، وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ. أصغت إليه أي: أمالت سمعها إليه. وأصغت إليه… وهي مسند إلىّ: هذا ما يسمونه بالالتفات، التفات من الغيبة إلى التكلم. بالرفيق أي: الرفيق الأعلى، وهو الجنة. وقيل: الرفيق اسم جنس يشمل الواحد فما فوقه، والمراد به الأنبياء، أو الملائكة. 589- قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَوْمُ الْخَمِيسِ وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ!! اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَعُهُ فَقَالَ: ائْتُونِي أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا. فَتَنَازَعُوا، وَلاَ يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِي تَنَازُعٌ، فَقَالُوا: مَا شَأْنُهُ؟ أَهَجَرَ؟ اسْتَفْهِمُوهُ فَذَهَبُوا يَرُدُّونَ عَلَيْهِ. فَقَالَ: دَعُونِي فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونِي إِلَيْهِ. وَأَوْصَاهُمْ بِثَلاَثٍ قَالَ: أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ. وَسَكَتَ عَنِ الثَّالِثَةِ، أَوْ قَالَ: فَنَسِيتُهَا. جعل الكرماني "يوم الخميس" في أول الحديث خبرا لمبتدأ محذوف أو مبتدأ لخبر محذوف أي: يوم الخميس يوم الخميس. وأراه من باب زيادة الواو في جملة الخبر، وأصله كأسلوب الحاقة ما الحاقة. والاستفهام فيه للتعجب. اشتد وجعه: الذي توفي به. فقال: ائتوني أكتب أي: بكتاب، كما وقع في رواية أخرى. ظنوا أنه هجر أي: وقع فيما يقع فيه المريض من كلام ناجم من شدة المرض. فذهبوا يردون عليه أي: يعيدون عليه مقالته ويستثبتونه فيها. فالذي أنا فيه: من باب المشاهدة والتأهب للقاء الله. خير مما تدعونني إليه: من شأن كتابة الكتاب. وفي رواية: "تدعوني إليه". جزيرة العرب: هي كما قال المفسرون: من عدن إلى العراق طولا، ومن جده إلى الشام عرضا. أجيزوهم أي: أعطوهم الجائزة. وكانت جائزة الواحد على عهده صلى الله عليه وسلم أوقية من فضة، وهي أربعون درهما. أمر بإكرامهم تطييبا لقلوبهم وترغيبا لغيرهم من المؤلفة قلوبهم. سكت عن الثالثة: هي إنفاذ جيش أسامة. وكان المسلمون اختلفوا في ذلك على أبي بكر فأعلمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم عهد بذلك عند موته. 590- عن عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي، فَأَذِنَّ لَهُ، فَخَرَجَ وَهْوَ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلاَهُ فِي الأَرْضِ، بَيْنَ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَبَيْنَ رَجُلٍ آخَرَ. قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَأَخْبَرْتُ عَبْدَ اللَّهِ بِالَّذِي قَالَتْ عَائِشَةُ، فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: هَلْ تَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ الآخَرُ الَّذِي لَمْ تُسَمِّ عَائِشَةُ؟ قَالَ: قُلْتُ: لاَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ عَلِي. وَكَانَتْ عَائِشَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا دَخَلَ بَيْتِى وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ قَالَ: هَرِيقُوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ لَعَلِّي أَعْهَدُ إِلَى النَّاسِ. فَأَجْلَسْنَاهُ فِي مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ طَفِقْنَا نَصُبُّ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْقِرَبِ حَتَّى طَفِقَ يُشِيرُ إِلَيْنَا بِيَدِهِ: أَنْ قَدْ فَعَلْتُنَّ. قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ، فَصَلَّى بِهِمْ وَخَطَبَهُمْ. ثقل أي: اشتد مرضه، يقال: أصبح ثاقلا، إذا أثقله المرض. وكان حينئذ في بيت أم المؤمنين ميمونة. أن يمرض أي: أن يتعهد ويخدم. عبيد الله: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود. عبد الله: ابن عباس. وكانت عائشة تحدث… لما دخل بيتي: كان ذلك يوم الاثنين السابق ليوم الاثنين الذي توفي فيه. هريقوا على أي: صبوا على الماء. هريقوا: أريقوا بإبدال الهاء من الهمزة. أوكية: جمع وكاء، بالكسر، وهو رباط القربة. أعهد إلى الناس: أي: أوصي إليهم. المخضب: الإجانة التي يغسل فيها الثياب. أن قد فعلتن: عبارة عن الاكتفاء بما فعلن. 591- عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِي فِيهِ، فَقَالَ النَّاسُ: يَا أَبَا حَسَنٍ، كَيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: أَصْبَحَ بِحَمْدِ اللَّهِ بَارِئًا. فَأَخَذَ بِيَدِهِ عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ لَهُ أَنْتَ: وَاللَّهِ بَعْدَ ثَلاَثٍ عَبْدُ الْعَصَا، وَإِنِّي وَاللَّهِ لأُرَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَوْفَ يُتَوَفَّى مِنْ وَجَعِهِ هَذَا، إِنِّي لأَعْرِفُ وُجُوهَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عِنْدَ الْمَوْتِ، اذْهَبْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلْنَسْأَلْهُ فِيمَنْ هَذَا الأَمْرُ، إِنْ كَانَ فِينَا عَلِمْنَا ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِنَا عَلِمْنَاهُ فَأَوْصَى بِنَا. فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنَّا وَاللَّهِ لَئِنْ سَأَلْنَاهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَنَعَنَاهَا لاَ يُعْطِينَاهَا النَّاسُ بَعْدَهُ، وَإِنِّي وَاللَّهِ لاَ أَسْأَلُهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. بارئ: اسم فاعل من برأ بمعنى أفاق من المرض. فأخذ بيده أي: بيد علي بن أبي طالب. بعد ثلاث: بعد ثلاث ليال. وهذا من شدة فراسته. عبد العصا: كناية عن تبعيته لغيره، أعلمه أنه بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم سيصير مأمورا أو تابعا لغيره. وذلك بعد ثلاثة أيام. لأرى أي: لأظن. فيمن هذا الأمر: يعني الخلافة وولاية أمر المسلمين. أوصى بنا أي: أوصى بنا من يكون بعده. 592- عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: أَنَّ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَا هُمْ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الاِثْنَيْنِ وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِي لَهُمْ لَمْ يَفْجَأْهُمْ إِلاَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ كَشَفَ سِتْرَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ فِي صُفُوفِ الصَّلاَةِ. ثُمَّ تَبَسَّمَ يَضْحَكُ، فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍعَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ، وَظَنَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الصَّلاَةِ. فَقَالَ أَنَسٌ: وَهَمَّ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَفْتَتِنُوا فِي صَلاَتِهِمْ فَرَحًا بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَنْ أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ، ثُمَّ دَخَلَ الْحُجْرَةَ وَأَرْخَى السِّتْرَ. كان ضحكه عليه السلام فرحا باجتماعهم على الصلاة وإقامة الشريعة. نكص: رجع وتأخر. على عقبيه أي: وراءه. همّ بالشيء: نواه وأراده وعزم عليه. هموا أن يفتتنوا: بأن يخرجوا من الصلاة. فرحا برسول الله أي: بإظهار السرور قولا وفعلا. 593- عن أَبَى عَمْرٍو ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَقُولُ: إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تُوُفِي فِي بَيْتِي وَفِي يَوْمِي، وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِى، وَأَنَّ اللَّهَ جَمَعَ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ، دَخَلَ عَلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَبِيَدِهِ السِّوَاكُ وَأَنَا مُسْنِدَةٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ السِّوَاكَ، فَقُلْتُ: آخُذُهُ لَكَ، فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ، فَتَنَاوَلْتُهُ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ، وَقُلْتُ: أُلَيِّنُهُ لَكَ؟ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ: أَنْ نَعَمْ، فَلَيَّنْتُهُ بأمرهِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ - أَوْ عُلْبَةٌ يَشُكُّ عُمَرُ - فِيهَا مَاءٌ، فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي الْمَاءِ فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ يَقُولُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ. ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ، فَجَعَلَ يَقُولُ: فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى. حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ. بين سحري ونحري أي: ورأسه بين سحري ونحري. والسحر: الرئة. والنحر: موضع القلادة من الصدر. أي: وهو مستند إلى صدرها وما يحاذي سحرها منه. عبد الرحمن: ابن أبي بكر. فتناولته أي: السواك. فأمرّه: أي: جعله يمر على أسنانه ليستاك به. الركوة: وعاء من أدم أي: جلد. والعلبة: قدح ضخم من خشب. يشك عمر: هو عمر بن سعيد، أحد رواة الحديث. سكرات: جمع سكرة، وهي الشدة. وانظر ما مضى في الحديث 588. 594- عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ: وَاكَرْبَ أَبَاهُ. فَقَال َلَهَا: لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ. فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ: يَا أَبَتَاهْ، أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ، يَا أَبَتَاهْ مَنْ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهُ، يَا أَبَتَاهْ إِلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهْ. فَلَمَّا دُفِنَ قَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ: يَا أَنَسُ، أَطَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم التُّرَابَ. ثقل أي: اشتد به المرض. يتغشاه أي: يعلوه، والمراد يتغشاه الكرب. واكرب أباه: بألف الندبة والهاء الساكنة للوقوف. والمراد بالكرب ما كان يجده من شدة الموت. يا أبتاه: أصله يا أبي، قلبت الياء تاء وألحق بها ألف الندبة وهاء السكت. الفردوس: حديقة في الجنة. نعاه ينعاه: أذاع خبر موته وأعلنه. حثو التراب: إلقاؤه وإهالته. وقد سكت أنس عن جوابها رعاية لها ولسان حاله يقول: لم تطب أنفسنا بذلك، ولكنا أرغمنا على ذلك امتثالا لأمره صلى الله عليه وسلم. 595- عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رضي الله عنه - قَبَّلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ مَوْتِهِ. في الحديث جواز تقبيل الميت. 596- عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا وَلاَ عَبْدًا وَلاَ أَمَةً، إِلاَّ بَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ الَّتِي كَانَ يَرْكَبُهَا، وَسِلاَحَهُ، وَأَرْضًا جَعَلَهَا لاِبْنِ السَّبِيلِ صَدَقَةً. راوي الحديث: هو عمرو بن الحارث بن المصطلق الخزاعي، وهو أخو جويرية أم المؤمنين. أمة أي: جارية. وفي هذا دلالة على أن ما ذكروه من رقيق النبي صلى الله عليه وسلم كان إما مات وإما أعتقه. وفيه أيضا سنة الاقتداء به صلى الله عليه وسلم في إعتاق العبيد. بغلته: كان اسمها "دلدل". وكان قد أهداها إليه المقوقس. أرض الصدقة: وهي أرض بخيبر وفدك، كان قد جعلها في حياته لأبناء السبيل صدقة. وابن السبيل هو المسافر الذي انقطع به ولا يجد ما يتبلغ به. باب آخر ما تكلم النبي صلى الله عليه وسلم 597- عن عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ وَهْوَ صَحِيحٌ: إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِي حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، ثُمَّ يُخَيَّرَ. فَلَمَّا نَزَلَ بِهِ وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِى غُشِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ، فَأَشْخَصَ بَصَرَهُ إِلَى سَقْفِ الْبَيْتِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى. فَقُلْتُ: إِذًا لاَ يَخْتَارُنَا. وَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَدِيثُ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا، وَهْوَ صَحِيحٌ. قَالَتْ: فَكَانَتْ آخِرَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا: "اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى". يخير أي: بين الدنيا والآخرة. فلما نزل به أي: الموت. أشخص بصره: رفعه إلى أعلى. اللهم الرفيق الأعلى أي: أسألك الرفيق الأعلى. وانظر ما سبق في الحديث 588. الذي كان يحدثنا به وهو صحيح أي: حين كان صلى الله عليه وسلم صحيحا معافى |